منذ أن كتب توماس فريدمان مقالات عدة عن لقاءاته مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أصبح الصحافي الأميركي المختص بشؤون الشرق الأوسط وكاتب الرأي في صحيفة «نيويورك تايمز»، الأشهر لدى جيل الشباب في المنطقة ممن يجهلون تاريخه الصحافي القديم.
وبعد المحاولات والترتيبات، التقته «الشرق الأوسط» في واشنطن على مقربة من البيت الأبيض. جرى الحوار في مكتبه المكتظ بنحو 3 آلاف كتاب تشهد على مطالعته النهمة وخبرته الواسعة، إذ عاش فريدمان في منطقة الشرق الأوسط نحو 10 أعوام، منذ عام 1979 حتى عام 1989 متنقلاً ما بين بيروت والقدس. وعاصر الحرب الأهلية اللبنانية والانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987.
تغطياته الصحافية وتقاريره من أرض المعارك في المنطقة العربية كُرمت بثلاث جوائز عالمية. في حصيلة فريدمان سبعة مؤلفات أشهرها «من بيروت إلى القدس». يقول فريدمان إنه معجب بشخصية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ويتمنى له النجاح في مسيرته. وكشف أنه لم يبقَ طوال مسيرته الصحافية مستيقظاً لإجراء حوار صحافي مع زعيم عربي لمدة ست ساعات متواصلة حتى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل. إلا أن مقابلته مع الأمير محمد كسرت القاعدة. وفي ما يلي نص الحوار:
> أجريتَ حوارات عدة مع زعماء وقادة العالم... ما المختلف عن اللقاء الذي أجريته مع ولي العهد السعودي؟
- لقد أجريت معه مقابلتين لصحيفة «نيويورك تايمز»، مرة عندما كان ولياً لولي العهد قبل ثلاثة أعوام، ثم أخرى في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عندما أصبح ولياً للعهد. كما قلت في مقالتي: أنا رجل كبير في السن أبلغ من العمر 64 عاماً، لقد أجريت مقابلات مع كل زعيم عربي تقريباً خلال الأعوام الأربعين الماضية، ولم أكن أبقى مستيقظاً 6 ساعات متواصلة حتى الساعة الواحدة والنصف صباحاً مع أي أحد من قبل، إلا أنه حصل مع الأمير محمد بن سلمان. لم يتحدث معي عن الحروب، بل كان مليئاً بالأفكار، لذلك أعتقد أنه مخلص.
> ما الذي تقصده بذلك؟
- ما حاولت أن أوضحه في مقالاتي أن الأمير محمد بن سلمان أصبح شخصاً مهماً جداً في السعودية وفي الشرق الأوسط، بل وفي العالم. إنه حقاً الشخص الوحيد المتحرك في محيطه في العالم العربي اليوم. أعتقد أن تحركاته مهمة جداً وما فعله في محاولة استعادة الإسلام لأصله وخصائصه المنفتحة والتعددية الحقيقية، هو أمر مهم للغاية. أمر مهم بالنسبة إلى السعودية، ومهم بالنسبة إلى العالم العربي والإسلامي. الأمر الآخر المهم الذي يفعله ولي العهد السعودي هو تطوير التعليم ومحاولة الحصول على الأدوات التعليمية والقواعد والأنظمة المساعدة لذلك في السعودية، حتى يتمكن كل مواطن في المملكة من تحقيق إمكاناته الكاملة.
> كيف تصف ولي العهد السعودي؟
- أعتقد أن لديه طاقة شبابية لقيادة الإصلاح في بلاده. والشيء الآخر الذي أعجبني فيه ذاكرته القوية. ابنتي الكبرى مديرة مدرسة تجريبية حديثة جداً في كاليفورنيا في وادي السيليكون. المدرسة تقدم التعليم من الروضة حتى الصف الثاني عشر. وفي إحدى محادثاتي العميقة مع الأمير محمد حول التعليم قبل 3 أعوام، أشرت إلى مدرسة ابنتي. عندما جاء إلى الولايات المتحدة المرة الأخيرة والتقيته، ذكّرني بالحديث، وقال إنه يريد أن يزورها. لسوء الحظ، كانت ابنتي خارج البلاد ولم يستطع القيام بالجولة.
> أبلغنا عن أحد الأسباب التي دفعتك للقول ان تحركات ولي العهد السعودي مهمة؟
- لقد درست اللغة العربية في جامعة مينيسوتا في السبعينيات من القرن الماضي. وكانت أول جملة تعلمتها باللغة العربية هي {المرأة نصف الأمة}، ولسنوات عدة كانت السعودية تعيش من دون نصفها الآخر، وتتنافس مع الآخرين وذراعها الأخرى وراء ظهرها من خلال عدم تمكينها أو إطلاق العنان لها. وأخيراً في كل مرة أذهب فيها إلى المملكة العربية السعودية، أذهلني عدد النساء اللواتي ألتقي بهن وحماسهن. وبالفعل هذا التحرك لتمكينهن والشباب لتحقيق كامل إمكاناتهم أمر مهم للغاية، إضافة إلى تنويع الاقتصاد السعودي وعدم الاعتماد على النفط والبتروكيماويات إلى الأبد.
لذا فإن جميع هذه الأمور التي يفعلها الأمير محمد بن سلمان مهمة، وكذلك جرأته واستعداده لأن يقول للمتطرفين والمتشددين إنهم لا يملكون حق التفرد بالإسلام، وإن ممارساتهم ليست دليلاً على الإسلام الحقيقي، بل ومحاربتهم في ذلك. فمنذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) الشهيرة لم يكن هناك عربياً أي استعداد فعلي لخوض حرب الأفكار، وليس فقط الحرب ضد الإرهاب... الأمير محمد بن سلمان الوحيد الذي فعل ذلك.
> أجرت مجلة «تايم» الأميركية مقابلة مع الأمير محمد بن سلمان وسألتْه عما إذا كان يسعى إلى تغيير الشرق الأوسط. كيف تجيب أنت عن سؤالهم؟
- لست متأكداً من أنه يحاول تغيير الشرق الأوسط بأكمله، أعتقد أنه يسعى إلى تغيير السعودية ولا شك لدي. إنما الشرق الأوسط كله، هذا سؤال واسع. كل ما أعرفه هو أنه إذا فعل ونجح في تحويل السعودية فإنه سيجعلها مكاناً يمكّن الشباب من تحقيق إمكاناتهم الكاملة. وذلك سيجعلها مكاناً مزدهراً اقتصادياً، وبالتالي يمكن أن يكون نموذجاً للآخرين. وإذا استطاع أن يفعل ذلك، ستكون مساهمته كبيرة في منطقة الشرق الأوسط التي تعرفها، لأن المملكة العربية السعودية كبيرة جداً ومركزية جداً ومهمة جداً من نواحي عدة كالناحية الدينية والاقتصادية والسياسية، وإذا تمكن من تحقيق ذلك فسيكون له تأثير كبير في المنطقة.
> كم مرة ذهبت إلى المملكة العربية السعودية؟ أخبرنا عن تجربتك هناك.
- ربما ثلاث مرات. ما يهمني دائماً عندما أذهب إلى المملكة العربية السعودية هو التغيير الحاصل فيها لدرجة أنها أكثر تشويقاً مما أتوقع. في كل مرة أذهب لألتقي الشباب في الرياض، أفكر في ذلك وأجده ممتعاً للغاية. هم فضوليون للغاية ولديهم تعطش للمعرفة عن العالم. كما هم وطنيون للغاية يريدون أن تنجح بلادهم وأن تكون مكاناً يمكّن الشباب ويتم من خلاله تحقيق كامل إمكاناتهم.
> ما الذي أعجبك في السعودية في آخر زياراتك؟
- أستمتع بمقابلة الناس والأشخاص، فأنا واحد من هؤلاء الناس، وأفاجأ دائماً بصراحة بعدد الأشخاص الطموحين المستعدين لمشاركة «قصص طموحهم» معي. ولذا أستمتع بالذهاب هناك وتعلم أشياء جديدة في كل رحلة.
> لو أتيح لك أن ترسل ثلاث رسائل، الأولى لولي العهد السعودي والثانية للشباب في السعودية والعالم العربي والثالثة إلى محيطك أي الشعب الأميركي، فماذا ستكون؟
- رسالتي إلى ولي العهد هي: أنت تسير على الطريق الصحيح بإعادة صياغة الإسلام الحقيقي، وإصلاح الاقتصاد السعودي وإعطاء كل الشباب السعودي القدرة على تحقيق إمكاناتهم الكاملة. ولأن تلك المهام مهمة جداً جعلت نفسك مهماً جداً لتحقيقها. تحتاج إلى التأكد من أن أعداءك ليست لديهم طريقة سهلة لإحباط ذلك، فمشروعك مناسب جداً للسعودية وإذا نجح سيجعلك من أهم القادة في التاريخ السعودي وتاريخ الشرق الأوسط.
بالنسبة إلى الشباب فرسالتي إليهم: عليكم استيعاب أن التغيير يحدث بسرعة، وأنكم بحاجة إلى أن تشركوا أصواتكم، رجالاً ونساءً، لتقفوا وراء الإصلاحات الحالية.
أما رسالتي الثالثة ونصيحتي لأميركا فبسيطة للغاية، وهي عدم انتخاب دونالد ترمب لدورة رئاسية ثانية.
> ما رأيك بقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس؟
- كان قراراً غبياً بشكل لا يصدق لسبب بسيط جداً. عندما اتصل بي البيت الأبيض وأخبرني بأننا قمنا بهذا الأمر، كان لدي سؤال واحد لهم: على ماذا حصلتم؟ هل نقل سفارتنا إلى القدس صفقة حقيقية أم أنك فقط أعطيتها لنتنياهو مجاناً؟ تخيل لو أن ترمب قال لنتنياهو: سأنقل السفارة إلى القدس، وفي المقابل ستجمد كل المستوطنات الإسرائيلية. ثم جاء إلى (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن وقال: أعلم أنك لن تقبل بهذا، لكنني سأعطيك شيئاً لم يفعله الرئيس باراك أوباما أبداً. لقد قمت بتجميد دائم للمستوطنات من أجلك.
هذا ما كان قادراً على قوله وسيرى أنه فعل شيئاً وأنه تغلب على هذه العقبة الطويلة وتقدم بعملية السلام. وبالمناسبة، فإن كل رئيس وزراء إسرائيلي يحتاج إلى رئيس أميركي ليكون بمثابة قوة تأديبية له، وكل رئيس وزراء إسرائيلي يريد أن يذهب إلى حكومته ويقول: لن أفعل ذلك أبداً، لن أستطيع، فالرئيس الأميركي كسر ذراعي... لكن ما فعله ترمب أطلقت عليه اسم فن العطاء وليس فن التفاوض.
> يتهم الرئيس ترمب وسائل الإعلام بنشرها «الأخبار الكاذبة». اليوم في روسيا يتم استخدام هذا المصطلح، والنظام السوري أطلق على حادثة دوما التي ضربها بالكيماوي «أخباراً كاذبة»، وتستخدمه تركيا أيضاً في قضاياها الداخلية. كيف يواجه الإعلام النزيه هذا الهجوم على المهنة؟
- إنه تحدٍّ حقيقي. ترمب يدعو أي شيء لا يعجبه «أخباراً مزيفة». إلا أن الاشتراكات في صحيفة «نيويورك تايمز» ارتفعت بشدة منذ توليه الرئاسة. نحن نعمل وكل شيء على ما يرام. نرتكب الأخطاء ولكن عندما يحدث ذلك نقوم بتصحيحها فنحن على مسؤولية. الناس تريد الأخبار الحقيقية فـ«نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» أقوى من أي وقت مضى. لدينا اليوم المزيد من المحررين والمراسلين والمصورين ومصوري الفيديو أكثر من أي وقت سابق في تاريخ الصحيفة.
> كيف ترى الصراع بين وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، أو وسائل الإعلام الاجتماعية الآن؟
- من الواضح أن بينهما تحدياً كبيراً. لا أعرف ما الأرقام الدقيقة، فإذا كتبت عموداً في موقع الصحيفة على الإنترنت، فإنه ينتقل إلى العالم على الفور. ربما يصل إلى 20 مليون شخص من الرياض إلى طوكيو إلى هونغ كونغ.
> ما أعنيه قوة التأثير؛ في وسائل التواصل الاجتماعي نرى أشخاصاً قد يكونون بلا ثقافة يقودون الرأي العام؟
- نعم. لذلك أنا شخص سيئ في متابعة الإعلام الجديد. أنا لا أتصفح «تويتر» أبداً.
> لا تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي مطلقاً؟
- على الإطلاق. ليست لديَّ صفحة على «فيسبوك».
> ولكن لديك حساب على «تويتر»...
- نعم. لديَّ حساب على «تويتر»، وإذا أردت كتابة شيء أو التغريد، أطلب من السكرتيرة أن تقوم بذلك لأنني لا أعرف كيف أقوم به. ولا أتابع «تويتر» على الإطلاق. أقوم بالتغريد من حين لآخر في بداية كل شهر بما أكتب للنشر فقط، و«نيويورك تايمز» تغرد بمقالي. لكنني لا أذهب إلى «تويتر» لأنني لا أهتم بما يكتبه الأشخاص المجهولون عني، وليست لديَّ صفحة على «فيسبوك» على الإطلاق. أحب التعلم هكذا بالطريقة القديمة. هذه فلسفتي.