نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

ما الذي ينتظر غزة؟

هل هنالك حرب قريبة على غزة؟ أم أنها مؤجلة بحكم أولويات الأجندة الإسرائيلية؟
سؤال مفضل لدى المحللين السياسيين المهتمين بالأوضاع على الجبهة الغزية الإسرائيلية، ودائماً يخرج المحللون في إجابتهم عن هذا السؤال بخلاصة بديهية وهي: «كل الاحتمالات مفتوحة».
هذا السؤال والإطناب في الإجابة عنه، يخفي إلى حد ما حقيقة موضوعية، هي أن غزة ومنذ انقلاب «حماس» وحتى يومنا هذا وإلى أجل غير مسمى، تعيش حروباً لا تتوقف، في البداية كانت حروب «حماس» مع «فتح»، التي نزفت دماءً غزيرة، وبعد أن تحولت الحرب مع «فتح» غزة إلى نوع من حرب باردة تقوم على المساجلات وليس البارود، اشتعلت سلسلة حروب بين غزة وإسرائيل، كانت كل واحدة منها تخلّف وراءها آلاف البيوت المدمرة، وآلاف الأسر التي بعضها لا يزال يفترش الأرض ويلتحف السماء، بحيث اتخذت هذه الحروب، رغم وقف إطلاق النار، طابعاً مفاده أن نتائج كل حرب ظلت مستمرة؛ بل ومتفاقمة إلى أن تأتي حرب جديدة.
وفي ظل الحروب مع إسرائيل، خاضت «حماس» حروباً داخلية نزفت أيضاً دماءً كثيرة، وذلك مع قوى دينية متشددة تتوالد في بيئة الإسلام السياسي المهيمن على الحكم والحياة في غزة.
حين كانت المدافع تصمت، وحين كانت الطائرات القاذفة تغيب عن سماء غزة، كان الغزيون يكابدون حرباً لا تقل فظاعة عن الحرب العسكرية، أوصلتهم إلى أن يكونوا أصحاب الرقم القياسي في المعاناة الإنسانية، ليس في هذا العصر فحسب، وإنما في كل العصور.
لم يمضِ يوم على غزة إلا وحمل جديداً إضافياً يعمق مأساتها، ويبعدها كثيراً عن شروط الحد الأدنى من الحياة الآدمية، فلا ماء ولا كهرباء ولا علاج ولا سفر. ومهما بدا على السطح من مظاهر الحياة العادية في بعض الأماكن، ولدى شرائح ضئيلة من البشر، فإن ذلك لا يخفي ظواهر تعلن بؤس الحياة بأبسط مقوماتها، حتى الوجبات الشعبية صارت تباع بالتقسيط، وفتحت صالونات الحلاقة دفاتر الدين، فماذا يمكن أن نسمي ذلك؟
وحين دخلت غزة أزمة الرواتب؛ حيث معظم السكان هناك مرتهنون للبنوك، لم تعد غزة تواجه انهيار حياة الموظفين، بل وانهيار البنوك أيضاً، فماذا نسمي ذلك؟
وحين قرر الغزيون مجازفات هدفها لفت أنظار العالم إلى حالهم، قدموا في هذه المجازفة ستين شهيداً في يوم واحد، وأكثر من مائة ألف جريح في أقل من شهر، فماذا نسمي ذلك؟
لم يعد الغزيون يتابعون بشغف أي محادثات تحت عنوان «المصالحة»، فحتى هذه المحادثات العبثية لم تعد مطروحة.
ولم يعودوا يتابعون كما كانوا في السابق أخبار «الكابينيت» الإسرائيلي، الذي يقرر منسوب الدم والدمار الذي ينتظرهم، حسب توقيت الأجندات الإسرائيلية المعقدة والقاتلة.
هذه حرب فتاكة تعيشها غزة، دون أن يظهر أفق يفتح نافذة أمل، ليس بالخلاص؛ وإنما بتخفيف الأذى. ورغم ذلك ففي إسرائيل جدل حول ماذا سيفعلون بغزة بعد الإحراج الذي سببته مسيرة السياج الدامية، وبعد مطر القذائف الذي انهمر أخيراً على مستوطنات القشرة.
هل يكتفون بالرد الذي تم، وهو من العيار المتوسط؟ أم يضاعفونه حال سقوط صاروخ آخر حتى لو انفجر في العراء؟ أم يذهبون إلى هجوم بري يقتلعون به الشوكة من جذورها كما يقولون؟ الجواب: إنهم سيفعلون ذلك كله، أما التوقيت فلا يشكل مشكلة أساسية لإسرائيل؛ لأن غزة أقل تعقيداً من جنوب لبنان والجولان، وإن ضُربت فلا بواكي لها ولا عليها.