إميل أمين
كاتب مصري
TT

مصر على سكة السلامة

أدى الرئيس السيسي اليمين القانونية أمام البرلمان المصري، رئيساً لفترة ثانية، وبهذا تدخل مصر المحروسة منعطفاً جديداً في مسيرة النهضة البناءة بعد فترة طويلة من السبات الذي كاد يسلمها إلى وكلاء الشر، وطيور الظلام، وقد خيّل لكثيرين وقتها أن مصر تعيش حالة من الموات السريري، وأنه لن يُقدّر لها أن تنهض منه ثانية.
غير أن مصر التي احترفت الخوارق لا في بناء الهرم الأكبر بل في تكوين النفسية المصرية، غيرت الأوضاع وبدّلت الطباع بما أبطل استراتيجيات عظمى كانت تسعى ولا تزال لتغيير شكل الإقليم برمته، ضمن سياقات أوسع، تتصل ببسط سيادتها على العالم برمته، والعارف لا يُعرّف.
قبل المصريون التصدي والتحدي، لتستيقظ المحروسة وتسترد هويتها، وتمضي في طريق سكة السلامة وهي تعلم أنه طريق على الرغم من صعوباته وأشواكه يبقى في نهاية المطاف الأصوب والأجدر بتعبيده.
أربعة أعوام انقضت على الولاية الأولى للرئيس السيسي خاضت مصر ولا تزال فيها حروباً بعضها مرئي فوق الأرض، فيما البعض الآخر كجبل الثلج تحت سطح المحيط، يتربص بالكنانة؛ إرهاب من كل نوع وإرهابيون من كل جنس، أوضاع وبنى تحتية مهترئة في الداخل، وعلاقات سياسية خارجية يجانب بعضها السداد، وديون تثقل كاهل الدولة، ورؤية شبه منعدمة، واستراتيجية غائبة.
لكن معين الحكمة لم ولن تعدمه أم الدنيا، وقد صدق الكاتب الأديب والمسرحي الكبير توفيق الحكيم حين أشار إلى أن تحت الجلد المصري ستة آلاف سنة من الحكمة، وعليه فقد استدعى المصريون هذا الرصيد لتخرج مصر إلى النور.
لعل واحداً من أفضل إنجازات السياسة المصرية الخارجية خلال السنوات الأربع المنصرمة، دون أدنى شوفينية، إعادة مصر إلى موضعها وموقعها التاريخيين إقليمياً ودولياً.
البداية كانت مع ضبط المسافات مع القوى الكبرى، وتالياً بثّ الروح الوثابة في الجسد العربي الذي أنهكته سنوات الزيف التي أُطلِقَ عليها «الربيع»، وإيقاف مسلسل الانهيارات المتعمَّد شرق أوسطيّاً، عطفاً على المحاولات الدؤوبة لتضميد الجراح المفتوحة من سوريا إلى العراق، ومن اليمن إلى ليبيا.
لم يترك الأشقاء العرب، وفي المقدمة منهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، مصر بمفردها في زمن السوء، وخلال السنوات القليلة الماضية سعت القاهرة مع الرياض وأبوظبي والمنامة لبناء حوائط صد وردّ ضد مؤامرات المتآمرين، أولئك الذين لا همَّ لهم في الصحو والمنام إلا اختراق العالم العربي لصالح قوى إقليمية معروف عداؤها للعرب منذ زمان وزمانين.
اقتضت الحاجة المصرية لإعادة البناء إجراءات تبدو في ظاهرها قاسية، لكنها في واقع الأمر كالدواء المرّ الذي لا مناص منه إن أراد العليل الشفاء، ولهذا ورغم المعاناة احتمل المصريون صعاب الدرب، وفي ذاكرتهم التاريخية مواقف أشد هولاً عاشوها برضا من أجل لحظة تنوير.
أمام الرئيس السيسي في ولايته الجديدة صعاب وتحديات جسيمة تحتاج إلى قيادة ربان ماهر، وهو كذلك بالفعل، لا سيما أن ينابيع الغمر العظيم تنفجر من تحت أقدام المصريين، مبشِّرة بالخير الوفير، وما تتناوله التقارير الاستراتيجية الدولية عن تحول مصر في السنوات القليلة المقبلة إلى مركز عالمي للطاقة يؤكد ما نقول به.
هذا التحول يضع مصر وتجربة نهوضها من جديد ضمن دائرة مؤامراتية تاريخية حقيقية لا تهويلية، فأضابير التاريخ المصري الحديث تخبرنا بأنه كلما علا نجم مصر بين الأمم، ومضت في طريق نهضة خلاقة، صناعية وزراعية، والآن نفطية وغازية، فإن هناك مَن لا يقبل بهذا التحول، وكأن غاية المراد من رب العباد ألا تموت مصر إلى الأبد، ولا تحيا إلى المنتهى، الأمر الذي يلقي على عاتق صانع القرار مسؤولية جسيمة في إدارة شؤون قادمة من فجر التاريخ إلى ضحاه، ووزن الأمور بميزان من ذهب.
من بين أوقع الجمل التي تناولها الرئيس السيسي في خطاب القسم، تلك المتعلقة ببناء الإنسان المصري، الذي سماه «كنز أمتنا الحقيقي»، وقد أجاد رئيس مصر إلى أبعد حد ومد حين أكد أنه يجب بناء الشخصية المصرية على أساس شامل ومتكامل، بدنياً وعقلياً وثقافياً، بحيث يعاد تعريف الهوية المصرية من جديد بعد محاولات العبث بها.
انتصارات المصريين المعقودة برقبة الرئيس السيسي في مقبل الأيام تستلهم تجربة حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 المجيدة، حيث كان المقاتل المصري هو سر النجاح وأداة العبور، والآن فإن عبور مصر إلى ضفاف الأمان لن يحدث إلا عبر روشتة الرئيس للإنسان المصري من أجل إعداد مواطنين مؤهلين معرفياً، مسلحين بقيم المواطنة ومبادئ حقوق الإنسان في ميادين التربية والثقافة والرعاية الصحية والاجتماعية، كي ينخرطوا لاحقاً في العملية التنموية على الصعيدين الوطني والعالمي، متكئين على ما يحصِّلونه من عمق المعرفة في شتى الاختصاصات، ومختلف الثقافات، وما يكتسبونه من مهارات العمل وما يحظون به من تكافؤ الفرص.
يبقى السيسي ذلك الجندي المصري الذي حمى مصر من عملية شراء الشعوب وبيع الأمم... حمى مصر من سرطان الفاشية المتعصبة التي أرادت خنق الحضارة مع الديمقراطية والروح الإنسانية بضربة واحدة.
السيد الرئيس... كل رجل له مصباح هو الضمير، وكل امرأة لها نجم هو الأمل... ولسوف ينير الله لك الطريق بمصابيح ونجوم شعبك العظيم.