سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

القناعات الأمنية الأوروبية واقترابها من مثيلاتها العربية

لطالما عارضت أوروبا سياسة الدول العربية ولم تتفق معها في استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب وتعتبر ما تتخذه من إجراءات تعدياً على الحريات الفردية والحقوق المدنية، وها هي اليوم ونيران الإرهاب تحرقها تقترب منا وتقاربنا في إجراءاتها الأمنية وتعيد النظر في منظومتها الحقوقية، مما يسمح بمزيد من التنسيق والتعاون بين دول الخليج وبينهم في العمل المشترك لمحاربة الإرهاب.
بالاستراتيجية الجديدة التي عرضها ساجد جاويد وزير الداخلية البريطاني المسلم ذو الأصول الباكستانية على مجلس العموم الأسبوع الماضي تبدو بريطانيا تلحق بسياسة الكثير من الدول العربية في مكافحة الإرهاب، والتي طالما ناهضتها بريطانيا واعتبرتها تعدياً على الحريات الفردية والحقوق المدنية والتي ترتكز على زيادة رقعة الصلاحيات التي تمنح لأجهزة الأمن من أجل رصد احتمالات وقوع الإرهاب وتغليظ العقوبات على الجرائم الإرهابية وإعادة التقييم في تصنيفات الجماعات الإرهابية.
فقد عرض وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد برنامج وزارته على مجلس العموم والذي تضمن استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب عن تلك التي عرضت على البرلمان البريطاني عام 2011، حاول فيها أن يسد الثغرات التي سمحت للإرهابيين باستغلالها وهي الثغرات التي تمنحها منظومة الحقوق المدنية الأوروبية للمقيمين كما المواطنين، فهو على سبيل واستباقاً لمنع محاولات التجنيد التي تطال الشباب الأوروبي سيزيد من صلاحية الرقابة المسبقة التي تسمح بالتنصت حتى على الأفراد الذين تتكرر عدد مشاهداتهم للفيديوهات الخاصة بالإرهاب، بما في ذلك تجريم تكرار مشاهدة تسجيلات الفيديو عبر الإنترنت!!
وسيزيد من تقوية إطار العقوبات المتعلقة بالإرهاب، بما في ذلك زيادة العقوبة القصوى لجرائم معينة، وضمان أن تتناسب العقوبة بشكل ملائم مع الجريمة المرتكبة، وتحسين فرص منع عودة المحكومين إلى الإجرام مجدداً (بيان وزارة الداخلية البريطانية).
ليس هذا فحسب بل تتجه المطالبات في بريطانيا إلى إعادة النظر وبقوة لتقييمها السابق للجماعات الإسلامية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين والمطالبة بعدم التمييز بين أي فصيل (سياسي) تابع لتلك الجماعة عن ميليشياته المسلحة كما كانت بريطانيا تفعل سابقاً، وهو ما كان تطالب به الدول العربية لسنوات، أن لا تستدرج للعبة توزيع الأدوار بين فصائل تلك الجماعات الإسلامية، وألا تفرق بين حزب الله السياسي وحزب الله المسلح، بين تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان، بين نواب الحوثيين وميليشياتهم، ولم تستمع أوروبا لنصائح العرب سابقا، إذ لطالما روجت أن الفصل بين الحزب السياسي والميليشيات ممكن أن يشجع هذه الجماعات على الانخراط في العملية السياسية والتخلي عن سلاحها، ولكنها تأكدت الآن أن ذلك مستحيل، فتلك الجماعات لديها مشروعها الذي يهدف لإسقاط الدول والقفز على السلطات فيها ولا تستثني الدول الأوروبية من مشروعها، وما توزيع الأدوار إلا تكتيك لا استراتيجية تخدم مشروعها به.
نجح وزير الداخلية البريطاني في التوسع في الصلاحيات التي لم يكن لمجلس العموم تمريرها سابقا لأن تغيراً في المزاج العام البريطاني حدث مؤخراً أصبح يسمح بمرور هذه الاستراتيجية بعد أن اكتوت أوروبا بنار الإرهاب، وبعد أن اقتنعت أن حق الأمن الجماعي قيمة إنسانية لا تقل عن حقوق الفرد بل تسبقها وتعلو عليها.
اقتراب القناعات الأمنية الأوروبية مع مثيلاتها في دولنا العربية يفتح المجال لتطابق التصنيفات وتقارب الإجراءات الاحترازية، بعد أن استفحل خطر الإرهاب في أوروبا وجعلها تعيد النظر في تقييمها، إذ لطالما كانت الدول الأوروبية تعتقد بأن كل من (فر) من العدالة في دولنا العربية لا بد أن يكون مظلوماً وإنساناً مسالماً كل جريمته أنه يطالب بحقوقه الإنسانية، وظنت أن إيواء الفارين من العدالة يعد قيمة إنسانية تتمتع بها أوروبا ويفتقدها عالمنا العربي، ففتحت الباب حتى للمطلوبين أمنياً لترى أن الكثير من الجماعات الإرهابية تستغل تلك المساحات لتهاجم الأوروبيين في عقر دارهم.
وصول الإرهاب لعقر دارهم هو ما جعلهم يتخلون عن تلك (القيم) وإعادة النظر في المفاضلة بينها وبين قيمة الأمن الجماعي، وهذا ما كنا نفعله نحن، لذلك نحن بحاجة للاستفادة من تلك القناعات الجديدة المتشكلة هناك في التضييق على خناق تلك الجماعات من خلال العمل المشترك للقضاء على الإرهاب بكل أشكاله وتصنيفاته وبجميع أجنحته الموزعة على الكثير من الأنشطة المدنية التي لطالما قدمت الدعم اللوجيستي للإرهاب وشكلت له منظومة الحقوق المدنية الأوروبية مظلة يستظل بها وتمنحه حصانتها.