إميل أمين
كاتب مصري
TT

قمة سنغافورة... تمثيلية دعائية أم تغيرات واقعية؟

هل سيضحى حقاً غداً الثلاثاء عظيماً بين أيام وشهر يونيو (حزيران) الجاري؟
قطعاً سيكون لقاء دونالد ترمب مع كيم جونغ أون لقاء غير اعتيادي وغير مسبوق، ونتائجه يمكنها أن تغير مسار العلاقات الأميركية – الآسيوية في العقود القادمة، حال التوصل إلى صيغة سلمية مرضية للطرفين.
غير أن القمة المثيرة تستدعي تساؤلات عميقة تبدأ من عند تغيير كيم موقفه من الولايات المتحدة، وصولاً إلى تشكيك البعض الآخر في نواياه الفعلية.
لتكن البداية من عند كيم الذي هدد الولايات المتحدة بصواريخه الباليستية العابرة للقارات، عطفاً على المخاوف التي انتابت اليابان من أن تطال نيرانه القواعد الأميركية هناك.
ما الذي جرى ليحول «الفتى الكوري» وجهته من الخصام إلى إرهاصات الوئام مع الأميركيين؟
لا تزال الإجابة عن علامة الاستفهام المتقدمة غامضة، ولا يقطع أحد بما ورائيات المشهد سيما أن التهديدات الأميركية التاريخية لكوريا الشمالية لا تزال قائمة حتى الساعة، فهناك على بعد خطوات في كوريا الجنوبية نحو 28 ألف جندي أميركي، وقواعد طائرات أميركية حديثة، وأخرى للصواريخ الأحدث، وجميعها يمكن أن تشعل بيونغ يانغ إن أرادت واشنطن في ساعات معدودات.
يحاجج البعض بأن الصين هي التي مارست ضغوطات على كوريا الشمالية، لكن على الجانب الآخر يمكن القطع بأن الصين من مصلحتها وجود كوريا الشمالية في موضوع قوة لا ضعف، وهي التي تدرك الأطماع الأميركية في آسيا، وتحسب للمواجهة بين الأساطيل الأميركية والصينية في بحر الصين الجنوبي.
من جهة داخلية تقول أصوات كورية شمالية إن الوضع الاقتصادي المتأزم وتردي الأحوال المعيشية هي التي دفعت كيم إلى تغيير مواقفه، وإغلاق بعض المواقع التي كانت تستخدم لإجراء التجارب النووية، وعليها فقد فضل أن يمضي في طريق الحوار مع واشنطن لا التصادم من حولها.
السطور المتقدمة تقودنا إلى تعميق البحث في نوايا كوريا الشمالية، سيما أن زعيمها لم يعلن البتة نيته التخلي عن الأسلحة التي تمتلكها بلاده بالمرة، ورغم الأساطير التي تروى من حيث أوضاع الاستخبارات الأميركية الخارجية، إلا أن أحداً منها لم يقطع بما إذا كان في حوزة كيم أسلحة ذات رؤوس نووية أم لا.
هل قمة سنغافورة تمثيلية أم متغيرات حقيقية؟
تبقى الشكوك قائمة عند كثير من الأميركيين، وفي مقدمهم السيناتور ماركو روبيو، الذي سعى للترشح للرئاسة الأميركية، فقد أبدى مؤخراً رأيه، وفيه أن كوريا الشمالية لن تتخلى أبدا عن برنامجها النووي، وسلوك كيم لا يتجاوز المشاهد التمثيلية.
يضيف روبيو في تصريحاته لقناة (ABC) الإخبارية الأميركية، أن كيم لا يرغب في نزع الأسلحة النووية وهو لن يتخلص منها، وجل ما يسعى إليه هو خلق انطباع بأنه زعيم منفتح، وأنه مسالم وعقلاني... هل يمكن أن يكون السيناتور الشاب على حق؟
على الأقل هناك جزء كبير من الحقيقة في كلامه، فزعيم كوريا الشمالية لديه ارتباط عاطفي وشخصي ونفسي «بأسلحته النووية»، لأنه بفضلها يشعر بأنه صاحب نفوذ، وقد أعلن من قبل أن بلاده وصلت إلى عتبات حيازة السلاح النووي، وعليه فما الذي يجبره على الدخول في مفاوضات مع الأميركيين؟
ربما يتخفى في شخصية كيم التي تبدو متهورة «رجل سياسة بارع» يعرف كيف يفاوض ويقايض الأميركيين، فالإشكالية النووية، قد تستخدم كسلاح ردع أو أداة تفاوض في سبيل رفع العقوبات الأميركية عن بلاده، وإجبار الأميركيين على سحب قواتهم وقواعدهم من كوريا الجنوبية، وتالياً إنهاء حالة الحرب المفروضة عليهم منذ خمسينات القرن الماضي وصولاً إلى إعادة توحيد الكوريتين ودمج شعوب البلدين، وهم في الأصول شعب واحد.
لن يكون من اليسير على كوريا الشمالية وزعيمها الأوحد تحقيق الأوامر الأميركية المتخفية بدورها في شكل طلبات أهمها وأولها إخراج أسلحتها النووية والمواد الانشطارية والصواريخ من البلاد عن طريق البحر في غضون شهرين، من قمة سنغافورة.
وبالقدر نفسه لا يطالب الأميركيون بتفكيك الحجر وكفى، بل السعي إلى تهجير البشر، أي نحو عشرة آلاف عالم نووي إلى خارج البلاد، والأهم تدمير المعرفة المتراكمة ومحو جميع البيانات التقنية المتعلقة بالأسلحة النووية، ذلك أنه إذا لم يتم تدمير «المعلوماتية النووية» للبرنامج الكوري الشمالي، فإن بيونغ يانغ ستكون قادرة على مواصلة البحث سراً واستئناف برنامجها النووي في وقت قصير، بالإضافة إلى ذلك، سيتمكن النظام هناك من بيع أسرار نووية إلى دول أخرى أو جماعات إرهابية.
ما الذي يدبره كيم من خلال استدراج ترمب إلى قمة سنغافورة؟
الوضوح ليس سيد الموقف، فجسم المفاوضات قابع بين أيدي رجالات الاستخبارات في البلدين، فيما ترمب يحلم بتحقيق نصر سياسي، سيكون الأول من نوعه منذ وصوله إلى البيت الأبيض، ذلك أن جل ما أقدم عليه منذ سكن البيت الأبيض يتصل بالجوانب السلبية، لا الإيجابية إن جاز هذا التقسيم، فإلغاء البرنامج النووي الإيراني لم يحل الأزمة مع إيران، واضطراب العلاقة مع موسكو لا يزال قائماً، أضف إلى ما تقدم خلافاته التي ستدخل عما قريب حيز الصراعات مع حلفائه الأوروبيين.
ترمب في حاجة إلى إنجاز سياسي حقيقي في مواجهة الدول التي أطلق عليها الأميركيون من زمن بوش الابن «دول محور الشر»، وكوريا الشمالية بينها، وهو إنجاز سوف ينعكس خلال الأشهر القليلة المقبلة على معركة التجديد النصفي للكونغرس من جهة، وخلال عامين على فرصة في البقاء لأربع سنوات تالية في البيت الأبيض أم لا.
قمة مثيرة، وتبعاتها واستحقاقاتها سوف تتجاوز واشنطن وبيونغ يانغ، إلى عدد من الدول التي ارتبطت ببرامج عسكرية ونووية مع كوريا الشمالية، وفي مقدمها إيران، وغني عن القول إن نجاح قمة سنغافورة يعني تضييق «نافذة الرحمة» تجاه إيران، وإن إخفاقها يعني دفقات من الدماء المتجددة وإحياء الآمال الإيرانية في برنامج نووي...
الخلاصة... الليالي حبلى بالمفاجآت يلدن كل عجيب.