إيلي ليك
TT

نحو ثورة ديمقراطية في إيران

في عصر آخر، كان رضا بهلوي، نجل شاه إيران الراحل، سيبدو بمثابة مرشح مثالي لقيادة حكومة إيرانية في المنفى. يذكر أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) سبق وعاونت والده على استعادة السلطة بالبلاد عبر انقلاب عسكري عام 1953 ضد رئيس الوزراء المنتخب، محمد مصدق. اليوم، تترنح إيران، فلماذا لا تحاول الولايات المتحدة إعادة الوجوه القديمة من جديد؟
في الواقع، ثمة سببان وراء ذلك. من جهته، يقول الرئيس دونالد ترمب نفسه إن هدفه ليس تغيير النظام الإيراني، وإنما إجباره على تغيير سلوكه. أما السبب الآخر فيكمن في أن بهلوي نفسه ليس مهتماً باستعادة عرض والده الراحل.
وخلال لقاء بيننا هذا الشهر، قال: «دائماً ما كنت أقول لأقراني: ليس الشكل هو المهم، وإنما المحتوى. وأعتقد أن إيران يجب أن تصبح دولة تقوم على نظام ديمقراطية برلماني علماني. أما الشكل النهائي لمثل هذا النظام، فيحدده الشعب».
يذكر أنه في ثمانينات القرن الماضي، ارتبط بهلوي في شبابه بعلاقات مع «سي آي إيه»، تبعاً لمقال نشره حينها الصحافي بوب وودورد في «واشنطن بوست». إلا أنه حتى في الفترة تلك، لم تحاول إدارة الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان تغيير النظام الجديد داخل إيران، وإنما حاولت التفاوض معه. ومثلما كشفت فضيحة «إيران كونترا»، فإن مستشاري ريغان كانوا يبيعون أسلحة إسرائيلية للملالي من أجل تحرير رهائن في لبنان.
من جانبه، شدد بهلوي نفسه على امتداد أكثر عن 20 عاماً على أنه لا يسعى لاستعادة عرش والده. اليوم، لا يتلقى بلهوي أي أموال من حكومات أجنبية. بدلاً عن ذلك، ينظر إلى نفسه باعتباره شخصاً قادراً على لفت أنظار العالم الحر إلى النضال من أجل الحرية الدائر داخل وطنه.
وأوضح قائلاً: «لا أترشح لمنصب، وليست لديَّ طموحات شخصية بخلاف المعاونة في تحرير الشعب الإيراني من قبضة الملالي. وإذا ما قالوا لي نريدك معنا، ربما أفكر حينها في الاضطلاع بهذا الدور أو ذاك، لكن هذا القرار لا يعود إليَّ».
من ناحية أخرى، كان والد بهلوي قد أصبح مكروهاً على نطاق واسع بحلول وقت الإطاحة به عام 1979. وحال إخفاق «الثورة الإسلامية» عام 1979 كان بهلوي مستعداً ليرث العرش الإيراني. بدلاً عن ذلك، قضى بهلوي الأعوام الـ40 الماضية في أميركا. كان بهلوي قد قَدِم إلى الولايات المتحدة للمرة الأولى عام 1978 للتدريب طياراً في صفوف القوات الجوية الأميركية، وكان في السابعة عشرة من عمره حينها. ودرس لفترة وجيزة داخل «ويليامز كوليدج» بعد اندلاع الثورة. وفي الوقت الذي لا يزال ينظر إلى نفسه باعتباره إيرانياً وطنياً، فإنه يعتقد أن وطنه ينبغي أن يحاكي المجتمع المفتوح القائم بوطنه البديل الذي يعيش به اليوم.
وقال بهلوي: «أنا من نوعية الأشخاص الذين ينظرون إلى النصف الممتلئ من الكوب. تخيلوا لو أنني مضيت في حياتي خلفاً لوالدي. لا أعتقد أنني حينها كنت سأحصل على 1 في المائة من الخبرة والمعرفة التي اكتسبتها من العيش داخل مجتمع حر وبلد ديمقراطي». وأضاف أن تجربته في العيش داخل أميركا تعتبر الهبة الكبرى، التي يمكن أن يقدمها للإيرانيين الذين يسعون إلى الدخول بوطنهم في مرحلة انتقالية بعيداً عن الاستبداد.
وكان من شأن هذه التجربة أن عاش بهلوي حياة مثيرة. على سبيل المثال، كان صديقاً للراحل جين شارب، المفكر العظيم صاحب نظرية «التغيير الاجتماعي غير العنيف» ومؤسس «معهد ألبرت أينشتاين». وقال بهلوي إن أفكار شارب بخصوص كيفية تنظيم ثورة غير عنيفة أثرت على تفكيره بخصوص ما يمكن عمله لمعاونة الحركة الديمقراطية داخل إيران.
وبدا تأثير شارب واضحاً خلال المحادثة التي جرت بيني وبين ولي العهد الإيراني السابق. على سبيل المثال، قال بهلوي إن أحد العناصر الكبرى في استراتيجيته «إعادة دمج غالبية الأعضاء غير الفاسدين وغير المتورطين في جرائم من القوات شبه العسكرية الموجودة حالياً». ويتبع هذا النهج تعاليم شارب بخصوص الحركات المعتمدة على قوة الشعوب. وشدد شارب في كتاباته على ضرورة أن يشعر أعضاء قوات الشرطة والأمن التابعة للديكتاتور بالأمان على نحو يسهل انضمامهم إلى الثورة عليه. من ناحيته، قال بهلوي: «يجب أن يتأكدوا من أنهم لن يكونوا ضحايا لتغيير النظام. ورغم أن بعض كبار قيادات النظام سيتعين خضوعهم للمساءلة، فإن غالبية الأفراد لا ينبغي أن يتعرضوا للعقاب».
وقال بهلوي أيضاً إنه يرغب في بناء جسر بين النشطاء الإيرانيين المعنيين بالديمقراطية ونظرائهم في الغرب. وأضاف: «الأمر برمته لا يعدو كونه مسألة وقت قبل أن تشارك ديمقراطيات غربية في حوار مفتوح وشفاف مع المعارضة الديمقراطية».
إلا أن بهلوي أيضاً أضاف أن هذه عملية يجب أن يقودها الإيرانيون أنفسهم. وأضاف أنه يعارض أي تدخل عسكري أميركي في إيران. وقال إنه محض خيال أن تقدم واشنطن على دعم حركة «مجاهدي خلق» المعارضة التي كانت في وقت من الأوقات متحالفة مع ثورة 1979 حتى شن آية الله علي خامنئي حملة صارمة ضدها.
وقال بهلوي: «لقد تحدثت إلى أعضاء سابقين بحركة (مجاهدي خلق)، وقد أجبروا النساء على ارتداء الحجاب»، مضيفاً أن معظم الإيرانيين لا يزالون يمقتون الحركة لوقوفها إلى جانب العراق تحت قيادة الرئيس صدام حسين أثناء الحرب الإيرانية ـ العراقية. وقال: «لا يمكنني تخيل أن يسامح الإيرانيون قط الحركة على هذا الموقف. وإذا ما خيروا بين (مجاهدي خلق) والملالي، فإن الاحتمال الأكبر أنهم سيختارون الملالي».
اللافت أن الكثيرين قالوا الأمر ذاته بخصوص آل بهلوي، وذلك بسبب تورط نظام والده في تعذيب منشقين وقمع الصحافة وتفشي الفساد.
ومع هذا، تلوح في الأفق اليوم بعض مشاعر الحنين إلى أيام الشاه. على سبيل المثال، عندما عثر عمال بناء بالصدفة في وقت سابق من العام على جثة محنطة لجد بهلوي، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية بحالة من الإثارة. وثارت بعض الضجة داخل إيران بعد رفض النظام الإفصاح عما إذا كان الحاكم السابق سيتلقى مراسم دفن لائقة.
من جانبه، أخبرني رويل مارك غيرشيت، ضابط وكالة «سي آي إيه» المتقاعد، الذي عمل بالملف الإيراني، أن البلاد لطالما كان بها حنين نحو أيام الشاه. وقال إنه التقى ذات مرة منشقة إيرانية في تركيا في ثمانينات القرن الماضي أظهرت ولاءها لآل بهلوي عبر وشم وضعته على صدرها لصورة ولي العهد.
أما بهلوي، فقد أخبرني أن تركيزه هذه الأيام منصب على التواصل مع الإيرانيين، الذين يعيشون خارج الوطن للمعاونة في إيجاد حل لأزمة نقص مياه الشرب الوشيكة. وأعرب عن رغبته في بناء شبكة من المهاجرين الموهوبين لصياغة سياسات تتناول المشكلات الكثيرة التي تفاقمت في ظل سنوات حكم النظام الحالي.
ويكشف هذا الموقف من جانب بهلوي عن نضج وحكمة، فهو يحرص على عدم تقديم نفسه باعتباره المخلص ومنقذ إيران، ولا يسعى إلى استعادة الحكم الملكي الذي أطاحت به ثورة 1979. اليوم، يتجه نجل الشاه الراحل إلى ثورة جديدة في إيران تجعل وطنه الأصلي يحاكي صورة وطنه البديل الذي يحيا به الآن.

*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»