سلمان الدوسري
كاتب وصحافي سعودي. ترأس سابقاً تحرير صحيفة «الاقتصادية»، ومجلة «المجلة»، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عضو مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات والهيئات الإعلامية.
TT

قادت المرأة... ما الذي تغير؟

عندما دقت الساعة الثانية عشرة ليل الرابع والعشرين من يونيو (حزيران)، ووضعت المرأة السعودية يديها على مقود السيارة في لحظة تاريخية فارقة، صحا السعوديون في صباح اليوم الثاني كأي يوم آخر. ذهبوا لأعمالهم ومارسوا حياتهم وكان الوضع طبيعياً جداً. الشوارع ذاتها التي قاد فيها الرجال عقوداً طويلة، المرأة تقود فيها ولم يختلف شيء. المشهد استوعبه السائقون بسرعة فاقت التوقعات. كل من يراقب الوضع يعتقد أن النساء يقدن من سنوات طويلة وليس من ساعات أو أيام. ساقت المرأة وذهبت إلى عملها ومارست نشاطها، كأن يوم ما قبل قيادتها هو يوم ما بعده تماماً، فقد سارت الأمور بوتيرة انسيابية عالية، وأثبت السعوديون أنهم قادرون على استيعاب القرارات المفصلية، اجتماعياً كانت أو اقتصادياً، متى ما تم اختيار التوقيت المناسب لها.
دائماً ما كانت الحكومة السعودية تسبق المجتمع بخطوة، تعرف احتياجاته ورغباته، تنتظر طويلاً لكنها في النهاية تحقق تلك الرغبات، وفق توازنات ومعادلات دقيقة لا يعرفها من لم يسبر أغوار المجتمع، كان السر دائماً في التوقيت، بالتأكيد سيخرج من يقول: ها هي المرأة قادت وكانت الأمور طبيعية، فلماذا لم يكن القرار قبل عام أو اثنين أو عشرة أعوام مثلاً؟ والإجابة تكون: مَن قال إنه لو اتُّخذ القرار سابقاً ستكون الاستجابة فعالة وإيجابية كما هي الآن؟ بالتأكيد لا أحد يضمن مثل هذا أبداً، لذلك نقول إن السر في يكمن في الظرف.
الأكيد أن قيادة المرأة ليست مجرد حدث هامشي للنساء في دولة مثل السعودية، وهي أيضاً ليست استعراضاً أو ترفاً، بقدر ما هي ضرورة ماسّة أكدها تقدم أكثر من 120 ألف سيدة للحصول على رخصة القيادة في الأيام الأولى فقط، فغالبية المجتمع السعودي أثبتت قابليتها للتغيير وأن المرحلة الحالية هو التوقيت المناسب له، وهنا علينا ألا نغفل أن قيادة المرأة للسيارة جزء من مشروع ضخم ضمن «رؤية 2030»، الهادف إلى رفع نسبة النساء العاملات في السعودية من 22% إلى 30% في 2030، والخطة نفسها تأمل أن تكون مساهمة النساء في دخل أسرهن تصل إلى 30%، فالتنويع الاقتصادي الذي تعمل عليه السعودية وبرامج التحول الوطني تعتمد جميعها على المشاركة الكاملة من المرأة، ومن دون تمكين المرأة وقيادتها للسيارة فستصبح كل تلك البرامج والخطط غير قابلة للتنفيذ.
إذا كان يوم الأحد الماضي يوماً تاريخياً للمجتمع السعودي بأكمله، وليس للنساء وحدهن فقط، فإن كل ما عملته الحكومة السعودية بسماحها بقيادة المرأة للسيارة، أنها أعطت الخيارات للنساء ولم تفرضها عليهن، فتقريباً نصف سكان السعودية الذي هو من النساء أصبح لديه الحق الكامل في قيادة السيارة، وللنساء وفقاً لهذا تحديد رغبتهن في القيادة من عدمها، وليس شرطاً ملزماً لهن، فالاختيار متاح لجميع السيدات ومن حق كل منهن التوافق مع ما يناسبها، وكما أن قيادة السيارة حق واختيار للبعض، فإن عدم القيادة أيضاً حق واختيار للبعض الآخر.
بقي أن نشير إلى أن كل القرارات التاريخية التي أصدرها الملك سلمان بن عبد العزيز، خلال السنوات الثلاث ونصف السنة الماضية، وعمل عليها عن كثب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تتشارك في أنها حزمة واحدة ضمن مشروع ضخم، وليست مشاريع منفصلة بعضها عن بعض، ولعل ما يميزها أنها، وعلى الرغم من اعتبارها مفصلية وتاريخية، فإنها وبعد تطبيقها تفرز استجابة مجتمعية لم يتوقعها أحد، وهي معادلة من النادر أن تنجح الدول في تطبيقها بدقة، وأثبتت السعودية قدرتها وتميزها في ذلك.