مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

المشكلة هي {يا سرّاجين يا ظَلَما}

أنا من أشدّ المناصرين لتطبيق الأنظمة المرورية، بما فيها العقوبات المعنويّة والماديّة، على مبدأ (مَن أمن العقوبة أساء الأدب)، ولو أخذت الإحصاءات الرسمية في جدة على سبيل المثال، فإن الحوادث المرورية، خصوصاً المميتة منها، قد انخفضت، ولله الحمد، بشكل ملحوظ، وذلك بفضل المراقبة الصارمة.
وهذا الموضوع يجب ألا يكون فيه أية مجاملة أو تلاعب، وهو ليس عندنا فقط ولكنه في كل دول العالم، ومثلما يقول إخواننا أهل مصر: (العمر مش بعزأة) - أي بعزقة وخبط عشواء.
والأنظمة والتعليمات يجب أن تُطبَّق دون الالتفات أو التفريق بين غني وفقير أو بين مسؤول وغير مسؤول، أو بين امرأة ورجل، فها هي بريطانيا التي كانت من أوائل دول العالم التي سارت في شوارعها المركبات، لم تجامل وزير ثقافتها جيرمي هانت، عندما انتهك قوانين المرور ثلاث مرات في يوم واحد، وهو يقود دراجته الهوائية، دون أن يتنبه إلى الإشارة الحمراء، فغرّموه 3000 جنيه إسترليني، وكَعّها وهو صاغر.
وهناك شاب إماراتي عمره 18 سنة كان يقود سيارته بسرعة جنونية، وهرب من رجال المرور، وبالكاد استطاعوا أن يسيطروا عليه فغرموه 15 ألف درهم، واحتجزوا سيارته سبعة أشهر، وبعد أن عرف (أن الله حق) أخذ يتحدث معتذراً وهو يقول:
حين أتذكر ما حدث لا أتخيل أنني تصرفت بهذه الطريقة، وعرضتُ حياتي وسلامة الآخرين للخطر، وقدت سيارتي بسرعة تزيد على 240 كيلومتراً في الساعة.
ومثلما أن السرعة الزائدة مرفوضة، كذلك البطء المبالغ فيه من سائق رعديد وغشيم، يسوق سيارته بسرعة لا تزيد على 40 كيلومتراً في الساعة في طريق سريع، مثل هذا هو أيضاً يتسبب بحوادث، فخير الأمور الوسط، فمبدأ (يا سرّاجين يا ظلما) مرفوض... مرفوض... مرفوض.
وأكثر مَن رفع ضغطي هو سائق سيارة صيني اسمه غوهوانغ، قطع الإشارة وصدم الرصيف، وعندما أوقفه رجل المرور قسراً لكي يعطيه المخالفة، نزل من السيارة وهو يترنّح - ويبدو أنه كان سكران - فأخرج من جيبه نقوداً لكي يرشو الشرطي الذي رفض ذلك وأنّبه، فما كان من الرجل الأهبل إلا أن أخرج من سيارته عبوّة بها سائل قابل للاحتراق، وسكبه على ملابسه وملابس الشرطي واحتضنه وبيده ولاّعة يريد أن يشعل النار فيهما، واستطاع الشرطي أن يتخلص منه، وأطلق ساقيه للريح، وهو يصيح مستنجداً بالناس الذين تكالبوا على السائق وطرحوه أرضاً، وأطفأوا النار، بعد أن أحرقت بعض ملابسه.
ولا ألوم الشرطي حينما هرب، ولو أنني كنتُ مكانه لكنتُ يمين بالله (بالهريبة كالغزال).