مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

على من تعزف مزاميرك يا مشعل؟!

في جلسة مع بعض الأصدقاء - وكان البساط فيها شبه أحمدي - وكان من ضمن الحضور صديق حصل لتوه على وكالة نوع معين من السيارات، فباركت له أولاً على ذلك الخبر، ثم دخلت له في الموضوع ناصحاً وطارحاً عليه فكرة كنت قد قرأت عنها قبل أيام.
فتحمّس يستحثّني على الكلام وهو يقول: كلّي آذان صاغية.
فأجبته: سلمت آذانك من الوقر يا باشا، فالحكاية وما فيها أن رجل أعمال أميركياً هو مثلك يملك وكالة للسيارات، ولديه صالة كبيرة يعرض فيها مئات السيارات الجديدة، وفي يوم معين و(عشوائي)، يختار خمس سيارات مختلفة، وفي ذلك اليوم تتسلط كمرة التصدير عشوائياً على الزبائن، ومن ظهر وجهه يحق له أن يختار واحدة من تلك السيارات الخمس لقاء (دولار واحد)، وبحكم أن الناس لا يعرفون موعد ذلك اليوم، فهم يتهافتون يومياً على المعرض بالآلاف، وكل فرد منهم لديه الأمل أن يحالفه الحظ.
وقد ارتفعت مبيعاته من جراء هذه الطريقة ارتفاعاً خرافياً.
وحالف الحظ في ذلك اليوم صبياً مع والدته وربح كل منهما سيارة، ولكي أؤكد له مصداقيتي قلت له إن (ريجنالد الكورو) - وهذا هو اسم الصبي - الذي عمره (15) سنة، وقد سأل صاحب المعرض عن سبب تعليقه (دولاراً واحداً)، فأجابه: ليكتشف أنها (ساعة الحظ).
وختمت كلامي أو اقتراحي معه قائلاً: عليك أن تفعل مثلما فعل الأميركي، وتعلّق على معرضك عبارة: (ريال واحد)، على شرط أن تعينني مسؤولاً عن المعرض.
فلوى بوزه، وصد وجهه عني قائلاً: (إذا كان هذا هو أولها، فينعاف تاليها).
فبادلته لوية البوز بأكثر منها، وقلت بيني وبين نفسي وأنا أصد بوجهي عنه: البلشّه أنني طحت (بقحّطه)، فعلى من تعزف مزاميرك يا مشعل؟!، الله يخيّبك على اقتراحك.
**
تاجر جمال إماراتي، من شدّة كرمه وحبه لفعل الخير، وضع أمام منزله سبيلاً، ليس للماء كما هو السائد، ولكنه للحليب - نعم للحليب -.
وأخذ الكثيرون يتهافتون عليه - خصوصاً من العمالة الأجنبية، وكل واحد معه زجاجة يملأها من ماسورة ينهمر منها الحليب، ويأخذ (يقربعها) - أي يشربها حتى الثمالة -.
كل هذا حسن ورائع، غير أن المعضلة أنه حليب (نياق)، والمشكلة أن الذي لم يتعود على شرب حليب الناقة، ويشربه لأول مرّة يصاب أجاركم الله بإسهال شديد، وهذا ما حصل للمئات الذين تقاطروا على المستوصفات وهم يمسكون بطونهم ويئنون ويتحرقصون ويتنطنطون.
وبالمناسبة فإنني أعتذر عن هذه الفقرة التي أوردتها، ولكن هذه هي الحياة، فبقدر ما فيها كثير مما يبهج، ففيها أيضاً كثير مما (يمغص).