مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الديك يخطف كأس العالم

انتهت بطولة كأس العالم لكرة القدم، بكل ما فيها من هزائم وانتصارات، وضحكات وعبرات، ورقصات ومضاربات، وبعدها «طارت الطيور بأرزاقها».
وبالأمس ذهبت إلى تجمّع لبعض الأصدقاء، وكانت الجلسة في منتهى الملل، فوجوههم ترهقها قترة، ونفوسهم على رؤوس خشومهم، والسبب أن تلك البطولة انتهت، وهم الذين تعودوا عليها طوال شهر كامل، ولا أكذب عليكم أنهم بعدها قد نزلوا من عيني، ولم أمكث سوى دقائق حتى خرجت دون استئذان.
أعود لما بدأت به - أي لكرة القدم - واحترت بشعارات ومسميّات الفرق التي تلعب البطولة، وسوف أستعرضها من دون ترتيب أو ذكر لأسماء الدول، فبعضهم على سبيل المثال: الشياطين الحمر، الأسود الثلاثة، الصقور الخضر، أجنحة الفخر، النسر الأسود، الساموراي، الكنغر، النسر الأبيض، الماكينات، الناريون، أسود الأطلس، نمور آسيا، الفراعنة، أسود الترنغا، الديناميت... إلى آخره.
وبعد كل هذا «الهياط والهيلمان»، لم يفز بكأس العالم سوى مجرّد «ديك». ولم يكذب روزفلت الأول عندما قال: تكلم بصوت خافت، واحمل عصا غليظا - انتهى. وهذا يجب أن يحدث في كل شيء: في الرياضة أو العمل أو السياسة أو حتى الحرب.
ولكن دعونا من السياسة والحرب فلهما فرسانهما: غير أن الذي لفت نظري وأثار حفيظتي وأنا أكتب هذه المقالة هو ذلك الديك النافش ريشه والفارد صدره، ولكن ما قصته؟!
تعود القصة يا سادتي إلى عصور ما قبل الميلاد، فيقال في إحدى الروايات إن الديك كان يعتبر رمزاً دينياً في بلاد الغال التي حكمها الرومان وبلاد شمال غربي أوروبا التي انبثقت منها فرنسا. فيما بعد، ارتبط الديك بالدولة الفرنسية لأن المعادين لفرنسا استخدموه كرمز للسخرية منهم، ولكن الفرنسيين برغم ذلك اتخذوه رمزاً للعناد ورفض الهزيمة التي يتصف بها هذا الطائر.
عندما جاءت العصور الوسطى (النهضة) بات الديك جزءاً من الثقافة الفرنسية، بعد أن اعتبرته الكنيسة الكاثوليكية رمزاً دينياً يتعلق بعودة المسيح، وعلامة على بزوغ الفجر بعد الظلام، ومع تراجع دور الكنيسة تراجع استخدام الرمز، ولكنه عاد بقوة مع قيام الثورة الفرنسية نهاية القرن الثامن عشر، حيث اتخذته الدولة الفرنسية رمزاً لعلمها ودلالة على حدوث التطور والنهضة. بعد ذلك أصبح لقب (الديوك) يعبر عن الهوية الفرنسية، وتم اعتماده شعاراً غير رسمي لدى سكان البلاد، وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تمت طباعة شكله على القطع النقدية الذهبية، ومن ثم اتخذه الاتحاد الفرنسي لكرة القدم شعاراً له منذ عام 1908 وحتى اليوم.