خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

رزق الطفيليين على الطيبين

تغص بطون الكتب الأدبية بحكايات الطفيليين. ولم لا؟ إنهم يتطفلون على ولائمنا، وحق لنا أن نتطفل نحن على حكاياتهم.
مر طفيلي على قوم يتغدون فقال لهم: سلام عليكم يا معشر اللئام. فقالوا: لا والله بل معشر كرام. فثنى ركبتيه وانضم إليهم جالساً، وقال: اللهم اجعلهم من الصادقين واجعلني من الكاذبين. وراح يوغل بالأكل.
والتحق طفيلي بجماعة من القوم يستعدون للغداء فقالوا له: اذهب واشترِ لحماً لتشاركنا، فقال: لا أحسن الشراء، فقيل له: إذن فأوقد النار، فقال: أخاف من الحريق، قالوا: فاطبخ الطعام، فقال: لا علم لي بالطبخ. فلما فرغوا من إعداد الطعام، قالوا له: تقدم فكل. قال: أكره أن أكثر مخالفتكم. ومد يده للقصف!
وعوتب طفيلي على التطفل فقال: والله ما بنيت المنازل إلا لتدخل، ولا نصبت الموائد إلا لتؤكل، وإني لأجمع فيها خلالاً؛ أدخل مجالس، وأقعد مؤانساً، وأنبسط وإن كان رب البيت عابساً، ولا أتكلف مغرماً، ولا أنفق درهماً، ولا أتعب خادماً. ويقول الطفيليون: ليس في الأرض عود أكرم من ثلاثة أعواد؛ عصا موسى عليه السلام، وخشب منبر الخليفة، وخوان الطعام.
قال أحمد بن علي الحاسب: مر طفيلي بسكة النخع بالبصرة على قوم وعندهم وليمة، فاقتحم عليهم وأخذ مجلسه مع من دعي، فأنكره صاحب المجلس، وقالوا له: لو تأنيت ووقفت حتى يؤذن لك أو يبعث إليك، فقال: إنما اتخذت البيوت ليدخل فيها، ووضعت الموائد ليؤكل عليها، وما وجهت بهدية فأتوقع الدعوة، والحشمة قطيعة، وطرحها صلة. وقد جاء في الأثر:
كل يوم أدور في عرصة الدا
ر وأشم القتار شم الذباب
فإذا ما رأيت آثار عرس
أو دخاناً أو دعوة لصحاب
لم أعرج دون التقحم أو أر
هب طعناً أو لكزة البواب
مستهيناً بما دخلت عليهم
غير مستأذن ولا هياب
فتراني ألف على الرغم منهم
كل ما قدموه لف العقاب
وقيل إن جماعة خرجوا في سفر فلحق بهم طفيلي، واتفقوا على أن يخرج كل واحد منهم شيئاً للنفقة، فقال الأول: عليّ كذا. وقال الثاني: وعليّ كذا. وقال الثالث: وعليّ كذا. فلما بلغوا الطفيلي قال لهم: وأنا عليّ... وسكت. فقالوا له: أي شيء عليك؟ فقال: لعنة الله. فضحكوا منه وأعفوه من الواجب.
وكان رجل من الوجهاء يستظرف طفيلياً... حضر طعامه وشرابه ولكنه كان أكولاً وشروباً إلى حد أزعج الرجل. فلما رأى منه كثرة أكله وشربه، طرحه وجفاه وانقطع عنه. فكتب الطفيلي إليه:
قد قل أكلي وقل شربي
وصرت من بابة الأمير
فليدع لي وهو في أمان
أن أشرب الراح بالكبير