إميل أمين
كاتب مصري
TT

مشروع إيران... العقوبات أم الحرب؟

إلى أين يذهب الصراع الإيراني - الأميركي؟ الشاهد أنه ما بين السادس من أغسطس (آب) المقبل والرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، حيث المواعيد الرئيسية لبعض العقوبات الأميركية، تمتد الخيارات من عند رضوخ إيران أو رفضها للمطالبات الأميركية الأوروبية بشأن النقاط الاثنتي عشرة المطلوبة منها، وصولاً إلى المواجهة العسكرية معها، وعلى المحلل السياسي الحصيف أن يستشرف المستقبل قدر ما يتيسر له، ليدرك أي اتجاه سوف تمضي إيران ذات العقلية العقائدية غير القابلة للتغيرات أو التبدلات.
من بين أهم الأوراق الصادرة مؤخراً في هذا الشأن، تلك التي تخص «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» وكاتبها باتريك كلاوسون كبير الاقتصاديين السابقين في «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي».
مثيرةٌ توقعات كلاوسون؛ إذ يشير إلى أن الإيرانيين يتمتعون الآن بخبرة كبيرة في التعامل مع العقوبات الاقتصادية والمالية، وقد أصبحوا ماهرين في إيجاد حلول جديدة عندما لا يجدون سبيلاً إلى الحلول القديمة. هل تتفق تصريحات نظام الملالي مع تلك الرؤية المستقبلية للعقوبات المالية التي ستوقع حكماً على إيران؟
الشاهد أن التصريحات العلنية للقادة الإيرانيين تشير إلى أنهم واثقون تماماً من أن الإجراءات الأميركية الجديدة ستكون مصدر إزعاج وليس أكثر من ذلك.
يتمتع الإيرانيون في واقع الأمر بمرونة عالية في مواجهة التقلبات الهائلة في دخل صادرات النفط، فقد تعرض اقتصادهم للعقوبات الحادة في عام 2012، وتأثر بشكل كبير بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، ومع ذلك ظلت إيران ماضية قدماً في طريق تخصيب اليورانيوم وإكمال برنامج الصواريخ، ناهيك عن إزعاج بقية جيرانها عبر «الحرس الثوري».
لم يكن كلاوسون وحده من أشار إلى أن إيران بات لديها قدر كبير من الاحتياطيات المالية، ما يجعلها بدرجة أو بأخرى عصية على الاستجابة، ففي حديث له لمحطة الأخبار الأميركية (CNBC) أشار وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري، وفي لحظة صراحة نادرة، إلى أن النظام الإيراني استفاد بدرجة كبيرة من الأموال التي وفرتها له الصفقة النووية، والإشارة هنا مزدوجة؛ فمن ناحية كان المقصود عائدات النفط بعد رفع العقوبات، ومن جهة أخرى ما تم الإفراج عنه من مليارات الدولارات، التي كانت محتجزة في الداخل الأميركي.
الصادم في تصريحات كيري إقراره أن تلك الأموال انتهت في أيدي فيالق الحرس الثوري الإيراني، وكيانات أخرى يصنف بعضها منظمات إرهابية، ولم يعد أحد قادراً على وقف مثل ذلك التمويل. هل يعني ذلك أن مسألة العقوبات لن تجدي نفعاً، وأن هناك بدائل أخرى باتت على الطاولة الأميركية والإسرائيلية معاً لقطع الطريق على إيران النووية وكذا الصاروخية بشكل خاص؟
قبل الجواب يتعين مراجعة التصريحات التي سبق أن أطلقها قائد «فيلق القدس»، ذراع التدخل الخارجية للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، الذي أكد خلالها أن القوات الإيرانية مستعدة لتنفيذ تهديد الرئيس حسن روحاني الذي أطلقه في الرابع من يوليو (تموز) الحالي، بإغلاق مضيق هرمز، لوقف الصادرات النفطية من منطقة الخليج العربي، عندما تقدم الولايات المتحدة في الرابع من نوفمبر المقبل على منع صادرات النفط الإيرانية، وذلك مقدمة لإشعال المنطقة برمتها، وإدخالها في حرب إقليمية؟
لا يبدو أن لقاء بوتين - ترمب الأخير قد أسفر عن بلورة رؤية أو اتفاق يخص وضع القوات الإيرانية في سوريا، وحتمية انسحابها من هناك في مقابل رفع يد العقوبات الأميركية عن الروس، وعدم تصديع الأميركيين رأس بوتين بالحديث عن شبه جزيرة القرم والملف الأوكراني، ما يعني أن القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها في الداخل السوري، سوف تظل تهديداً كبيراً لإسرائيل، الأمر الذي لن يتم السكوت عنه أو الصمت تجاهه.
لا تغيب النقاط السابقة عن أعين الإيرانيين، ولهذا فإن المشهد لم يتوقف عند التهديد بإغلاق مضيق هرمز فحسب، بل ها هي إيران تعيد سيرتها الأولى، أي إحياء فرق القتل والاغتيالات مجدداً حول العالم، وهذا ما أكدته محاولة تفجير مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس مؤخراً، ما أعاد للأذهان أعمال إيران في أوروبا منذ عام 1984 وحتى اليوم، فقد انتشر العملاء الإيرانيون في جميع أنحاء العالم وشاركوا في عمليات اغتيال استهدفت شخصيات معارضة لها في الولايات المتحدة وفرنسا والسويد وسويسرا وألمانيا.
أما في الأرجنتين فقد اتهمت جماعات مدعومة من إيران في التفجيرات القاتلة للسفارة الإسرائيلية في عام 1992، ومركز الجالية اليهودية في عام 1994 التي خلفت 115 قتيلاً.
هل كان للولايات المتحدة وإسرائيل بنوع خاص الصمت والسكون، كما فعلت إدارة أوباما طوال ثماني سنوات تجاه تحضيرات إيران القادمة للمواجهة المسلحة؟ باختصار غير مخل، التقرير الذي نشره موقع «ديبكا» الإسرائيلي، الذي يقوم عليه عملاء استخبارات إسرائيلية سابقون، يشير إلى أنه في أواخر شهر يونيو (حزيران) الماضي، شهدت العاصمة الأميركية واشنطن خروج خطة أميركية - إسرائيلية مشتركة للنور، تتصل بضربة عسكرية ساحقة ماحقة لإيران، تحت عنوان «مشروع إيران».
الخطة تم بلورتها من قبل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي إيزنكوت، مع كبار القادة الأميركيين، وفي المقدمة منهم الجنرال جوزيف دانفور رئيس هيئة الأركان الأميركية والجنرال جوزيف فوتيل رئيس القيادة المركزية الأميركية في واشنطن.
هل نحن على مقربة من عملية عسكرية استباقية تحجم وتلجم إيران قبل أن تمضي سادرة في غيها لإشعال المنطقة؟
المؤكد أن مجرد تسريب أنباء خطة «مشروع إيران» في حد ذاته أمر مقصود منه أن ترتدع إيران، وفي حال عدم تغيير مسارها، فإن عليها مواجهة أربع مجموعات قيادة تستهدف التالي: منشآتها النووية، ومخازن صواريخها، وجماعاتها التخريبية حول العالم، عطفاً على جماعة رابعة مهمتها قتل إيران اقتصادياً.
طويلاً وكثيراً تحدث الأميركيون عن الخيار العسكري تجاه إيران، وهذه المرة تخرج للنور إرهاصات العمل، أما الخطط التكتيكية فتكاد تكون معروفة للقاصي والداني، والرهان الإيراني على روسيا غير صائب، لا سيما أنه من مصلحة بوتين تقليم أظافر إيران النووية والباليستية، والصين غير مهمومة أو محمومة بالدخول في صراع عسكري مع الأميركيين، فلديها نقاطها الساخنة للمواجهة في بحر الصين الجنوبي.
الساعة الحادية عشرة تقترب من العنق الإيراني، والأمل في تغيير الملالي لمواقفهم ضئيل إلى منعدم، ما يعني أن الأسوأ لم يأتِ بعد.