نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

بنو معروف

الإنجاز الأهم الذي حققه الدروز أينما وجدوا، هو تعويض الكم القليل بالإبداع والتميز.
حقيقة نقرأها في تاريخنا سواء نظرنا للأمر من زاوية الكفاح ضد الاحتلال الأجنبي، أو من زاوية السياسة والانتماء القومي، أو من زاوية الثقافة والفن والأدب.
وحين تبدع طائفة على هذا المستوى، فللإبداع جذور عميقة ومؤهلات جذرية، وأصالة في الروح والوجدان والانتماء.
أسماء لامعة تضيء تاريخنا وتعيش مع أجيالنا؛ سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى، كمال جنبلاط الزعيم العالمي وتوأم جمال عبد الناصر، وفريد الأطرش والظاهرة أسمهان ونصري شمس الدين، الذين تربعوا على عرش الغناء ولم ينزلوا عنه، وسميح القاسم توأم محمود درويش وتوفيق زيّاد، الذي تتلى أشعاره القومية والوطنية كنشيد مدرسي صباح كل يوم، وكثيرون غيرهم لم تسعفني الذاكرة المزدحمة في تذكرهم... هؤلاء انبثقوا من حاضنة نظيفة، وثبتوا انتماء طائفة نوعية لجذرها، وعبّروا بصدق عن انفعالات أمة بأسرها في أيامها الحلوة والمرة.
راودتني رغبة جامحة في الكتابة عن بني معروف، بعد صدور قانون القومية عن الكنيست الإسرائيلي، وبعد أن قرأت مقالات وبيانات صدرت عن بعض الدروز الذين حاولوا الاندماج في الدولة العبرية، ولقوا على هذا السبيل تسهيلات استثنائية بدت في القشرة كما لو أنها قبول إسرائيلي للاندماج ومكافآت لقاء الولاء، فنام البعض على حرير خادع قوامه ضباط دروز وصلوا إلى رتبة جنرال في الجيش، ومدنيون انتموا إلى الأحزاب الصهيونية وصاروا وزراء، وفي كثير من المناسبات كان قادة الدولة العبرية يتباهون بالولاء النادر الذي جسده «المندمجون» وطلبوا من «الأقليات» أن يحذوا حذوهم والعيش المرفه في أفياء الديمقراطية الإسرائيلية التي تتميز بها عن باقي كيانات صحراء الشرق الأوسط.
وبضربة قاضية أطاح الكنيست أي مركز القرار في إسرائيل بكل الآمال الساذجة التي تم إغراء الدروز بالكثير من الاستثناءات لاعتناقها والجري وراءها، فاصطدم رأس الداعين للاندماج والمتحمسين للتميز عن باقي أشقاء الجذور بحائط من فولاذ يفترض أن يعيد الوعي والانتماء إلى مكانهما الطبيعي، فما حدث بقرار من الكنيست قال لغير اليهود وبصريح العبارة: «مهما فعلتم ومهما قدمتم للدولة من عرق ودماء وولاء فأنتم لن تكونوا منا يوماً».
الأصل هو الأصل... كان إخوتنا منقسمين ومتنابذين فأعادهم قانون القومية الذي وصفه نصف الشعب الإسرائيلي ومعظم يهود العالم بالعنصري، والذي لم يصوّت له بيني بيغن وموشيه آرنز، جاء هذا القانون أو هكذا يفترض ليوحد الأشقاء المنقسمين ذلك أن وحدة الجذور أبقى وأرسخ من قشرة الانقسام.
وما دمنا حيال أمر كهذا، فلا بد من تسجيل مآثر أولئك الدروز الذين قاوموا بدأب وبسالة عمليات التزييف والإغراء، وصمدوا وبلا هوادة قابضين على الجمر متشبثين بالجذر والهوية، لم يكونوا عنصريين ولا متعصبين بل كانوا دعاة مساواة وسلام.
كانوا مع حق أشقائهم الفلسطينيين في تقرير المصير وكانوا مع تحرير إسرائيل التي يعيشون فيها من عار احتلال شعب آخر، كانوا حتى صدور قرار الكنيست بعضاً كثيراً أو قليلاً من كل، وبعد القرار صاروا الكل بلا استثناء.