سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

البديل العربي لصفقة القرن

إذا أرادت السلطة الفلسطينية في رام الله، أن تتعاطى مع موضوع صفقة القرن، بأسلوب مختلف، فإنني أدعوها إلى أن تسمع من السيد عمرو موسى، وأن تستعين به، وأن تنصت إليه، وأراهن على أنها سوف تجد في ذلك فائدة، كما أراهن على أن الطرف الأميركي، صاحب الصفقة الذي لا يتوقف عن الترويج لها، والتلويح بها إلى حد التهديد أحياناً، سوف يجد نفسه مضطراً بعدها إما إلى أن يسمع من الفلسطينيين فيما سيقولون به، عندئذ، وإما إلى إدخال التعديل الواجب على صفقته، لتكون صفقة عادلة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لا صفقة مجحفة على حساب طرف منهما لصالح طرف آخر!
لقد قال الرئيس محمود عباس في الصفقة كثيراً جداً. قال فيها عند بدء الحديث عنها إعلامياً، إنها صفعة القرن، لا صفقة القرن. وقال عنها في مرحلة من مراحل الإصرار الأميركي على ترويجها، إنها مضيعة للوقت ولا طائل وراءها. وفي مرحلة ثالثة نصح إدارة الرئيس دونالد ترمب، التي تعتبر نفسها الأب الشرعي لها، بأن تبحث عن شيء آخر تتكلم فيه. وفي مرحلة رابعة قال - وكان ذلك يوم السبت الماضي خلال اجتماعه مع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير - إن قانون القومية اليهودي الذي أقره الكنيست صباح 19 يوليو (تموز)، إنما هو جزء من الصفقة. وقال... وقال... إلى آخر ما يعرفه وقد يحفظه كل متابع للملف. وفي خلال هذا كله، كان التواصل المباشر بين السلطة وبين إدارة ترمب مقطوعاً، أو شبه مقطوع.
ولكن اللافت أن الرفض الفلسطيني الواضح للصفقة، لم يمنع الأميركان من مواصلة الحديث عنها كما هي، ولم يجعلهم يسألون الفلسطينيين، أو يستطلعون رأيهم فيما يرونه، باعتبارهم في غاية المطاف أهل شأن في المسألة.
لدى عمرو موسى تصور سمعته منه وناقشته فيه، على هامش منتدى أصيلة الثقافي الدولي، الذي كان مشاركاً فيه، ومتحدثاً في محور من محاوره الرئيسية. والفكرة لديه أن الرفض الفلسطيني، ومن ورائه الرفض العربي، للصفقة، في محله تماماً، كما أن له ما يبرره، غير أن الرفض في مثل هذه الحالة، لا يجوز أن يكون رفضاً فقط، ولا أن يبدو كأنه إغلاق للباب كلياً أمام جهود البحث عن حل للقضية. فالصفقة رغم كل التحفظات الفلسطينية والعربية عليها، تظل تمثل وجهة النظر الأميركية للحل. هي وجهة نظرهم التي يتقدمون بها. أما كونها عادلة، أو غير عادلة، فهذا موضوع آخر، وهذا هو الذي علينا أن نتعامل معه، كفلسطينيين وعرب، ليس برفضه، ولكن بطرح بديله الذي نملكه في أيدينا!
فما بديل صفقة القرن العربي؟! إنه المبادرة العربية التي كان الملك عبد الله بن عبد العزيز (يرحمه الله) قد طرحها في قمة بيروت العربية 2002، وقت أن كان لا يزال أميراً وولياً لعهد المملكة.. فالمبادرة ظلت مطروحة لوقت طويل، وكان الطرف الإسرائيلي مستعداً للقبول بها في وقت من الأوقات، وكان ما يميزها أنها عادلة، ومنصفة، وتتعامل مع القضية بموضوعية ظاهرة. ويكفي أنها كانت تخاطب كل طرف من طرفي الصراع بما يريده ويبحث عنه. فالطرف الفلسطيني يريد الأرض، وهي تقدم له الأرض. والطرف الإسرائيلي يريد السلام، أو يقول بذلك على الأقل، وهي تعطيه السلام. فهذه هي فلسفتها التي تنبني عليها، وهذه هي فكرتها باختصار، وهذه هي ميزتها الكبرى!
وليست هذه هي الميزة الوحيدة فيها!
إن هناك مزايا أخرى. منها، مثلاً، أن العالم سيرى ويعرف، عند طرحها كبديل، أن العرب لا يواجهون صفقة القرن بيد خالية، ولا بعقل يهرب ويتهرب، وإنما بيد مملوءة، وعقل يقدم البديل لما يرفضه ويتحفظ عليه، وطاولة عليها ما يمكن للطرفين أن يجلسا حوله، وأن يمثل بينهما نقطة التقاء!
ومنها أننا في الواقع لا نرفض صفقة ترمب، لمجرد أننا نرفضها؛ ولكن لأننا نملك في أيدينا ما نراه أفضل مما يطرحه الرئيس الأميركي، وتُروّج له إدارته. إننا سنلتقي معه، والحال هكذا، أو مع مَنْ يمثله، «بقلب جامد»، وسنتكلم عن القضية من خلال لغة يفهمها كل صاحب ضمير في العالم، وكل مُساند لقضيتنا في أنحاء الأرض، ولماذا لا، ونحن نطرح مبادرة عربية لها ملامحها الواضحة، ولها معالمها المتسقة بعضها مع بعض، ولها قبل ذلك وبعده، منطقها الذي يقبله العقل، ويتقبله الحس الإنساني السليم، ويؤيده الفكر المنصف العادل!
إن الهدف من طرح البديل العربي لصفقة ترمب، القول بأننا لا نرفضها في حد ذاتها؛ ولكن لأنها غير عادلة، وغير منصفة، وغير موضوعية، فرفضها لا يكون بردها في وجه صاحبها، ولكنه يكون بوضع بديلنا نحن إلى جوارها على الطاولة، ثم دعوة حكماء العالم إلى أن يحكموا، أي البديلين قابل للأخذ به، وتطبيقه، والبناء عليه، وأيهما أبعد ما يكون عن أن تكون له فرصة في الحياة، والبقاء، والعيش، فضلاً عن الفرصة في الدوام والاستمرار؟!
إن التجربة العربية الممتدة مع واشنطن تقول، إن كل رئيس أميركي جديد يدخل البيت الأبيض، كان يفكر على الفور في طرح حل يخصه، في هذا الصراع المزمن بين العرب وبين إسرائيل، وصولاً إلى دولة فلسطينية تقوم إلى جانب الدولة الإسرائيلية، ليعيشا معاً، على جوار مشترك، وفي سلام يدوم. والتجربة نفسها تقول إن الحلول التي كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة تتقدم بها، كانت تنحاز باستمرار إلى الطرف الإسرائيلي، وكانت تقدم ما تقدمه في كل مرة، وكأن هذا الطرف، لا الطرف الفلسطيني، هو صاحب الأرض، وهو الذي يتعرض للظلم، وهو الذي يقع تحت وطأة الملاحقة، والقنص، والمطاردة!
وقد كان ذلك عائداً ربما إلى غياب البديل العربي، في مواجهة البديل الأميركي، أو البديل الإسرائيلي. فالسادات حصل على أرضه كاملة؛ لأنه امتلك البديل الخاص به في يده، ولأن بديله كان بديلاً له ملامح ومعالم، ولأنه اكتسب تعاطف المحبين للسلام في العالم في وقته. صحيح أن الظرف هذه الأيام، غير الظرف الذي طرح فيه السادات مبادرته، ولكن الأصل في الموضوع أن على صاحب الأرض الفلسطينية المحتلة أن يذهب إلى المطالبة بها، ممتلكاً في يده ما يستطيع به إحراج الطرف الآخر، الذي لا يتوقف عن ترسيخ صورة عن الفلسطيني، لدى الرأي العام العالمي، بأنه لا يريد حلاً، ولا يقبل بشيء!
فإذا ما قررت رام الله أن تذهب إلى كل محفل يطرح صفقة القرن، وفي يدها المبادرة العربية، تقدمها، وتشرحها، وتسلط الضوء عليها، فسوف تنسف أركان تلك الصورة!