إميل أمين
كاتب مصري
TT

ترمب ـ إيران واللقاء غير المشروط

ما الذي يجعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب يقدم على تقديم عرض لاستقبال مفاوضين إيرانيين دون قيد أو شرط؟ هل نحن أمام مفاجأة جديدة من مفاجآت «الرئيس غير المتوقع» كما يطلق عليه في واشنطن؟
قد يكون من المبكر الحديث عن أبعاد هذا العرض الذي ينافي ويجافي سيرة ترمب ومسيرته مع إيران، منذ أن كان مرشحاً للرئاسة وصولاً إلى سدة الحكم، لكن في كل الأحوال ليس هناك ما يمنع التفكير ومحاولة تحليل المشهد، وهل في الأمر مناورة تكتيكية من ترمب أم مدخل جديد لتحقيق أهدافه الاستراتيجية بشأن إيران؟
تعلمنا دروس التاريخ أن أصحاب الرؤى الواضحة لا تهمهم الأدوات؛ بل المدركات أو المنجزات، وفي سبيل تحقيقها يمكن لهم أن يمضوا في خط مستقيم، وفي أحايين أخر يعنّ لهم أن يلتفّوا حول التضاريس.
شهد الأسبوع الماضي أعلى درجات الوعيد والتهديد من قاسم سليماني، قائد «الحرس الثوري» الإيراني، ضد الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي لم يغب بلا شك عن أعين الأميركيين، وعليه؛ فكيف يستقيم أن تواجه واشنطن الخطر الإيراني الجامح بتصريحات تتناول إمكانية اللقاء دون قيد أو شرط؟
يبدو المشهد في العلن مليئاً بالتضاد ومحفوفاً بالتناقضات، لكن يبدو أن خلف الأكمة أحاجي لا علم للإعلام بها حتى الساعة إلا النزر اليسير الذي تسرب عن وساطة دولة خليجية بعينها التقى وزير خارجيتها بوزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس يوم الجمعة الماضي؛ أي غداة تهديدات سليماني، مما يدفعنا للتساؤل: هل كانت أراجيف رجل «الحرس الثوري» نوعاً من إثارة الغبار المتعمد على المشهد الذي تجري به المقادير في الكواليس؟
يقول الرواة إن وزير الخارجية محمد جواد ظريف قصد الأسبوع قبل الماضي عاصمة تلك الدولة الوسيطة من أجل إيجاد مخرج للأزمة الإيرانية التي تدخل في الأيام القليلة المقبلة؛ وتحديداً في 7 أغسطس (آب) الحالي، بداية سريان بعض العقوبات الاقتصادية الأميركية، فيما بقية العقوبات الكبرى واقفة خلف الباب، وفي مقدمتها ما هو مقدر ومحتوم لقطاع النفط، والذي سيبدأ في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، إن لم يطرأ على المشهد تحول بعينه.
هل قدم الوسيط الخليجي أفكاراً عن تنازلات معينة من قبل الجانب الإيراني كانت هي الدافع لتصريحات ترمب غداة لقائه رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي قبل ساعات؟
ليس من السذاجة أن يؤمن المرء بأن ترمب أطلق مثل هذه التصريحات بصورة عشوائية، سيما وهو يعلم تمام العلم العقلية الدوغمائية الإيرانية، والجميع يعتقد أن ترمب هو الرأس المنظور للفعلة الحقيقيين في كرم السياسة الأميركية الداخلية والخارجية، وعليه؛ فليس من اليسير أن يحدث انقلاب بزاوية مائة وثمانين درجة على هذا النحو في المشهد الأميركي.
محاولة فهم الموقف الأميركي الجديد من إيران بعد تصريحات ترمب تأخذنا إلى الداخل الإيراني الذي بات بلا شك مأزوماً إلى أبعد حدّ ومدّ، سيما بعد تدهور العملة الإيرانية ونقص السلع الأولية وسوء الخدمات، وقد كانت الانتفاضات الشعبوية الأخيرة ناقوس خطر للملالي، أولئك الذين أدركوا أن الطوفان على هذا النحو قريب، والغرق هو المصير المنتظر، وعليه، فإنه لا قبَل لإيران، رغم الأصوات الزاعقة والرايات الفاقعة، بال مواجهة مع أميركا، ومن هنا تبدو فرضية البحث عن حلول سريعة الهدفَ الرئيسي.
لم تعد إيران تثق كثيراً في تحالفاتها الخارجية؛ سيما مع الروس أو الصينيين، فهي تدرك إدراكاً جامعاً مانعاً أن لعبة الشطرنج الإدراكية هذه لا مجال فيها للعواطف أو المشاعر، بل هي مصالح؛ تتصالح تارة وتتصادم أخرى، والروس من قبيل البراغماتية المستنيرة على أتم استعداد للتضحية بإيران على مذبح العلاقات مع واشنطن لرفع العقوبات الاقتصادية، وإنهاء تدخلات الناتو بالقرب من الجوار الروسي وكثير من القضايا العالقة.
أما الصينيون الذين يرى فيهم الأميركيون؛ وعلى رأسهم ترمب، اليوم العدو الأكبر والأخطر، فهم بدورهم وإن بدوا في الصورة أصدقاء ومنفذاً لإيران أمام العقوبات الأميركية، إلا إنهم، وعند المقايضات الكبرى، على استعداد لإبرام صفقات مع واشنطن؛ صفقات قد تعود فيها إدارة ترمب عن الضرائب الباهظة المفروضة على الواردات الصينية، وقد تكون المقايضة جيوسياسية، بمعنى عدم إزعاج الصينيين في بحر الصين الجنوبي.
هنا نستدعي التساؤل: «هل تصريحات ترمب بمثابة فرصة للإيرانيين لحفظ ماء الوجه والبحث عن منطلقات ومرتكزات جديدة لاتفاقية أخرى؟».
رسمياً ودعائياً يلوح الإيرانيون بأنهم لن يقبلوا حواراً تحت التهديد، غير أن تصريحات الجنرال ماتيس قد تعزز من فكرة الباب الموارب للدخول منه، فقد أشار إلى أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام الإيراني، وإنما دفعه إلى تغيير أسلوبه، ومن ضمن ذلك تهديداته في المنطقة وتغيير أسلوب وكلائه، وهو ما قد يهدئ من المخاوف في إيران من تلميحات ترمب بالرد القوي وغير المتوقع.
الرد الإيراني المباشر على تصريحات ترمب جاء باللسان الفوقي الامبريالي الإيراني المعتاد نفسه؛ إذ أشار حميد أبو طالبي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، إلى أنه يتحتم على أميركا - ترمب «احترام حقوق الأمة الإيرانية، وخفض الأعمال العدائية، والعودة للاتفاق النووي، ضمن خطوات يتعين اتخاذها لتمهيد طريق المحادثات» التي يصفها بالصعبة.
ما الذي يمكن للمرء أن يتوقعه في هذه الأجواء المثيرة بين واشنطن وطهران؟
ينقسم الراسخون في العلم إلى فريقين؛ أحدهما يرى أننا أمام حلقة جديدة من حلقات مسلسل «حلف المصالح المشتركة» الذي يمضي من طهران ويمر بتل أبيب ويصل إلى واشنطن.
في حين يذهب الفريق الآخر إلى التأكيد على أن إيران تحاول أن تفلت من الحبل الذي يشده ترمب على عنقها، وهي دولة تاريخياً تجيد فنون التفاوض وتدمن ألاعيب التقية، ولهذا تقول في العلن بخلاف ما تفعل في السر.
فقط يبقى التساؤل المثير للحيرة: «أين تمضي شروط بومبيو الاثنا عشر تجاه إيران إذا كان ترمب مستعداً للقاء الإيرانيين من دون شروط»؟