جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

عندما ننطق الحمص بالـ«هاء»

عندما تعيش في أوروبا لا بد أن تتعلم لغة البلاد التي تسكن فيها، ولا بد أن تندمج في المجتمع وتصبح جزءاً منه، ولا بد من مشاهدة البرامج المحلية والأخبار السياسية الداخلية وتذكر اسم رئيس الوزراء على الأقل، ولا بد ولا بد.
ولكن وبالمقابل يجب أن تحافظ على لغتك الأم ويجب أن تكون سفيراً لهويتك ولبلدك الأصلي، ويجب التقرب من ثقافتك من شتى النواحي، بما فيها الأكل لأن الطعام هو من ضمن الثقافة التي يتبادلها الشعوب ويكتشفها السياح وتحافظ عليها الجاليات في بيوتها وتربي عليها الأجيال الجديدة.
فكرتي اليوم وليدة حادثة أجدها تتكرر كثيراً في المطاعم العربية في لندن، والأمر يشكل إزعاجاً غير طبيعي يجعلني أسأل بمجرد دخولي إلى المطعم عما إذا كان النادل الذي سيدون أسماء الأطباق التي أود طلبها عربياً أم لا. وهنا أشدد على أن نقطتي لا تمت بأي صلة بالعنصرية وبالهوية، ولا بأي شيء مسيء على هذا الغرار، إنما نقطي بسيطة. فكما أني أنطق الكلمات الأجنبية لكي يفهمها من يتكلم لغتها، فأنتظر أن آكل بسلام دون الحاجة لطلب مترجم محلف حتى أتمكن من طلب صحن تبولة وحمص، من غير الحاجة للدخول في صراع لغوي ودرس في مخارج الحروف، يتخللها تفخيم بعضها.
القصة وما فيها هي أن غالبية المطاعم العربية واللبنانية وتحديداً المنتشرة بكثرة في لندن توظف ندلاً من أوروبا الشرقية لأسباب عديدة يفهمهما صاحب المطعم أكثر مني، وأنا لا أعترض على قراره وإدارته، ولكن ما أعترض عليه هو إعطاء الوظيفة الخطأ للشخص الذي يصح توظيفه في عمل آخر في المطعم.
ففي آخر مرة زرت بها مطعما لبنانيا جديدا في لندن، كان الديكور جميلاً والموقع أكثر من جيد، ولكني بصراحة عندما أذهب إلى مطعم ما وبالتحديد إلى مطعم لبناني كل ما يهمني هو نوعية الطعام والخدمة والنظافة، وبدأت المشكلة عندما طلبت من النادلة طبقاً من الحمص (نطقت الحمص على الطريقة العربية)، ولكن وللمفاجأة لم تفهم النادلة، وبدأ صراع اللغة واللفظ إلى أن فهمت بأني أطلب ما تعرفه بحسب قاموسها الشرق أوروبي بالـ«همس». وتخطينا مشكلة الحمص أو «الهمس»، وجاءت مشكلة «ورق العنب»، فلم تفهم، غيرت التسمية إلى «ورق عريش» ولم تفهم. تذكرت بأن بعض البلدان العربية تسميها بـ«يولانجي» ولم تفهم، جربت «يبرق»... فهي لم تفهم «ورق العريش» فتعتقد بأنها ستفهم «يبرق»؟. وبصراحة بدت علامات الانزعاج واضحة على وجهها، فأعطتني دفترا عدد كلماته يتعدى رسالة الدكتوراه، وطلبت مني بأن ألتزم بما هو مكتوب فيه لكي تفهم ما أريده. بحثت جيداً ومعدتي كلها شوق وتشوق لأكل ورق العنب لأجد بالنهاية بأن هذا الطبق اسمه «ستافد فاين ليفز» بالإنجليزية من دون أي إشارة له بالعربية. فاستغربت وسألت نفسي: «إذا جاءت جارتنا أم سليم فهل ستعرف بأن ورق العنب غير اسمه؟».
وهنا بدأت أفقد صبري، فلاحظ أحد العمال من الجنسية المصرية، فاقترب وسأل إن كانت هناك مشكلة، بصراحة إنها مشكلة، ولكن لم أرد أن أتسبب للنادلة المسكينة بالأذى، ولكن اللوم يقع على صاحب المطعم والمدير، لأنه لا يجوز ولا يعقل بأن يقضي الزبون أكثر من 15 دقيقة وهو يتحذر كيف ينطق اسم الطبق ويعود إلى الدفتر ليجد الترجمة المرادفة له.
أنا مع التأقلم وتعلم لغة الغير والاندماج، ولكن عندما يأتي الأمر على الحمص الرجاء فلن أتراجع عن موقفي، ولن ألفظه بالـ«هاء» من أجل عيون كاتارينا.