سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

الزعيم والإنسان بطولة الخسارة

إذا كنت كاتباً عربياً مهنياً منذ أكثر من 50 عاماً، فلا بد من أن يتبين لك بعد نصف قرن من التجربة، أن أكثر المهام مشقة هي الكتابة عن واحد من اثنين من الزعماء العرب: جمال عبد الناصر وأنور السادات. ما من أحد منهما قابل للكتابة الموضوعية، أو شروط البحث. أي شيء تكتبه في نقد الأول عمالة، وأي كلمة «تسللها» في مديح الثاني «صهيونية».
يوم ذهب السادات إلى القدس، اجتمعنا في مجلة «المستقبل» لنضع عنواناً للغلاف. وطرحت اقتراحات كثيرة، وفي النهاية قُبل اقتراحي: «العابر». وشرحت يومها أنه سوف يُقرأ مثل الصور الثلاثية الأبعاد: عابر من «عبور تشرين»/ أكتوبر (تشرين الأول). وعابر من «عبور لا أهمية له». وعابر من «عبور المحرمات».
لكن العنوان لم يُقرأ في القاهرة إلا في تفسيره الثاني. وكان صاحب «المستقبل» الراحل نبيل خوري، يتساءل ضاحكاً: «هل سوف يشملنا السادات بعملية الفَرم؟». حتى هذه اللحظة؛ تستحيل كتابة سيرة موضوعية للرجل الذي خسر سيناء، وللرجل الذي استعادها. فالناس في أكثريتها ترى في الخاسر بطلاً، وفي خَلَفه حليفاً للاستعمار. حتى معركة العبور التي أظهر فيها الجيش المصري شجاعة وحنكة لا مثيل لهما، اعتبرت مجرد مسرحية، مع أن إسرائيل المهزومة وصلت يومها إلى حد التهديد بالحرب النووية.
الخلاف حول الزعيمين، حتى الساعة، مثل الخلاف حول «الأهلي» و«الزمالك». الخاسر بطل والرابح بطل، وقد يؤدي النقاش حول النتائج إلى معركة وجرحى وقتلى. وتضيع الحقائق بين الأقدام، أو في ضجيج الهتاف.
لا شك في أن مشكلة أنور السادات الكبرى أنه جاء بعد عبد الناصر. كان خائفاً من هالته ومن رجاله ومن افتقاره إلى الجاذبية الشعبية التي كان يتمتع بها سلفه. وكيف ينسى منظر الجماهير التي نزلت على القاهرة ترفض استقالة الرجل المسؤول عن هزيمة مصر؟ أو كيف ينسى خمسة ملايين إنسان خرجوا في جنازته؟
أقسم السادات اليمين وهو يستعرض في عقله وجوه المتآمرين و«مراكز القوى»... أولئك الذين لم يكونوا يعطونه أي اهتمام بالأمس، ويرونه اليوم متسيداً عزة مصر... حلفاء السوفيات، وحلفاء أميركا الصامتون، والمنسيون من الضباط الأحرار، الذين تذكّروا فجأة حقوقهم بالوراثة والزعامة.
لا يمكن كتابة هذه السلسلة من دون أن نضم إليها عبد الناصر والسادات، ولكن كيف تفعل ذلك؟ سوف أخرج عن قواعد الكتابة لأنقل نصاً كاملاً عنهما، كما قاله نجيب محفوظ، عظيم الأدب المصري، إلى الناقد الكبير، رجاء النقاش.
إلى اللقاء...