إميل أمين
كاتب مصري
TT

«نيوم» والمستقبل العربي

كيف يمكن النظر إلى اللقاء المهم والمميز الذي جرى بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أرض «نيوم» شمال المملكة قبل ساعات؟
دون أدنى تزيد أو شوفينية يمكن للمرء القطع بأن المملكة العربية السعودية ومصر هما عمودا الخيمة العربية في حاضرات أوقاتنا، ومن دون التنسيق المشترك بينهما فيما يخص مستقبل العالم العربي، تضحى الرؤية ضبابية، والخطى تائهة على الدروب.
على بعد خطوات من عيد الأضحى المبارك حيث الجميع ينتظر بشوق أفراح الأيام الطيبة، تقف الأقدار بالمرصاد لهذه المنطقة من العالم، حيث التحديات والعقبات كثيرة، وجلها مؤلم، وبعضها كارثي، الأمر الذي يتطلب طرحاً صريحاً ومباشراً للأزمات، ورؤى تقديرية استباقية لمجابهتها ومواجهتها. يجيء لقاء الأشقاء بين الملك سلمان والرئيس السيسي بعد ساعات قلائل كذلك من زيارة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى القاهرة، وقد كانت التصريحات المصرية على لسان الرئيس السيسي قاطعة بحزم لا يلين وحسم لا يهن، فيما خص رفض تحويل اليمن إلى منصة لتهديد الملاحة في البحر الأحمر، وبالقدر ذاته الرفض الشامل والكامل لأن يضحى اليمن موطئ نفوذ لقوى غير عربية، عطفاً على تبيان الأهمية القصوى لليمن بالنسبة للأمن القومي المصري واستقرار المنطقة.
تصريحات الرئيس السيسي واضحة وشفافة وإن لم يسمِ الأطراف الأخرى فإن اللبيب بالإشارة يفهم، وما يقوم به الحوثيون في اليمن كميليشيات لإيران غير خافٍ عن أعين أحد، وقد باتت الأطماع الإيرانية لا توارى أو تدارى، إضافة إلى صواريخها المهربة إلى اليمن، والتي تهدد المملكة وأراضيها وشعبها، فيما يقف المجتمع الدولي عاجزاً أو صامتاً عن الفعل المطلوب لردع إيران والحوثيين من ورائها.
لقاء الأشقاء أمر واجب الوجود في هذه الأوقات الحساسة؛ لا سيما في ظل التعنت الإيراني الرافض لأي حلحلة للمواقف العقدية المركبة ما بين التاريخ والجغرافيا والمطلقات الإيمانية، والردود الوحيدة الإيرانية على العالم شرقاً وغرباً، تتلخص في اختبار صواريخ جديدة من عينة «فاتح مبين»، والتخطيط لإجراء تدريبات مائية كبيرة، في إشارات لا تخطئها العين للمواجهات العسكرية القادمة حكماً في القريب.
تحتاج المرحلة الحالية إلى أعلى درجة من درجات التنسيق العربي - العربي، وبخاصة في ظل ما هو متوقع في الفترة الممتدة من الشهر الحالي وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) موعد العقوبات النهائية على إيران، وبنوع خاص وقف تصديرها للنفط، مع الأخذ بعين الاعتبار التهديدات الإيرانية بإغلاق المضائق الحيوية سواء كان مضيق هرمز القريب منها، أو مضيق باب المندب البعيد عنها جغرافياً والقريب إليها ميليشياوياً إن جاز التعبير، من خلال أذرع الحوثي، ما يعني أن لحظة التنادي العربي قد حانت قولاً وفعلاً.
التنسيق المصري - السعودي قضية ليست جديدة على الساحة الجيوبوليتيكية الشرق أوسطية، إلا أن الطروحات الكثيرة التي تقدم في الكثير من العوالم والعواصم الكبرى، سيما مسألة الناتو العربي ربما تدعو للتساؤل أليس الأجدر أن تكون طروحاتنا من ذاتنا وبرؤى وأفعال تتسق وتتساوق مع حاجتنا الماسة، ومن دون أن يعني ذلك رفض التعاطي مع الآخر، سيما إذا مضت المصالح في طريق واحدة وواضحة، ومن دون ارتهان المستقبل لأي تقلبات سياسية من أي جهة أو شعب أو دولة.
لا تزال المنطقة العربية مشتعلة، وأغلب الظن أنها ستبقى لفترة ليست قصيرة، والناظر بعين التدقيق والتحقيق يرى الحرائق لا تزال ممسكة بالثوب العراقي، والمشهد السوري يعمه الحزن بعد أن صارت السيادة الوطنية للآخر على أرضه، فيما ملايين اللاجئين والمشردين من شعبه حول العالم، وعشرات الآلاف من القتلى والجرحى يؤكدون أن الحزن في الشرق أضحى عادة، أما عن ليبيا فحدّث ولا حرج عن دولة شبه مقسمة بإرادة الآخر، وأبناؤها يتصارعون، واليمن شوكة في الخاصرة العربية، ولهذا يتساءل المرء عن أي مستقبل ينتظر العالم العربي؟
لكن لقاء الأشقاء على أرض «نيوم» يحمل قبساً من الضوء والأمل في أن الحلم يمكن أن يضحى حقيقة حال توافرت الإرادات الطيبة للفرار من حالة الانسداد التاريخي، وأن الفشل والإخفاق ليسا بقدر منقوش على حجر في عالمنا العربي.
رؤية «نيوم» التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضمن سياق الحلم الأكبر للمملكة 2030 ضرب من ضروب الأمل المعهود بنواصي المملكة ومصر والأردن، ما دعا مجلة أميركية عريقة «فوربس» لأن تشير إليها الأيام القليلة الماضية في قراءة خاصة لها تحمل عنوان «نيوم يمكن أن تسهم في إسعادنا جميعاً»، انطلاقاً من الآفاق الجديدة والمغايرة التي تطرحها عبر أنظمة الذكاء الصناعي والمزج بين الصناعات التكنولوجية المتطورة، والأفكار والابتكارات الخلاقة للشباب العربي، وتلاحم البشر على أرضها من الشرق والغرب، ما يفتح المجالات الإنسانية للتلاقي والتعاون، حيث البشر المختلفون يتعارفون دون حدود أو سدود من حضارات أو عقائد، وهذه هي القيمة الحقيقية المضافة لـ«نيوم»، قيمة تتوالد من مركبات خلاقة بين الأصالة والمعاصرة، ومن التراث والحداثة، دون أن يزاحم أحدهما الآخر أو يسعى لإقصائه من مسارات الحضارة ومسارب الأمل.
ليس سراً أن هناك من يتطلع لبلورة نظام عالمي جديد تعود فيه معادلات عصر سيادة الدولة غير المحدودة، حيث عواصم عالمية تعزف على حنين الماضي والعودة إلى سياسات «القوى العظمى»، الأمر الذي رأيناه يتجلى في قمة هلسنكي، وفيها باتت موسكو وواشنطن هما المركز، وبقية العالم التخوم، أو أحجار على رقعة الشطرنج.
من هنا لنا في الحق ألف حق حين نتداعى إلى التساؤلات: وماذا عن العالم العربي وماذا عن نصيبه من قسمة الغرماء هذه، وهل الانتظار هنا خطيئة مميتة أم عرضية حتى يفعل الآخر بنا ما يريد لا كما نريد نحن بأنفسنا؟
التساؤلات فلسفياً عادة أعمق ما تكون من الأجوبة التي تملأ الفضاء الرحب، وعليه فإنه من قبيل النرجسية المستنيرة أو البراغماتية الإيجابية، أن نسعى لرسم طريق المستقبل عربياً، وأن تكون «نيوم» تحديداً وتخصيصاً الرمز والشعار لغد أفضل.