طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

ظلم المقارنة بين الأجيال

تابعت الكثير من المجموعات عبر «النت» وهي تفتح النيران فيما بينها مستخدمة أثقل الأسلحة في التراشق اللفظي، كل فريق يعتز بالانتماء لجيل يراه هو الأفضل، أشهر «بوست» يتم تداوله حالياً بكثرة يصب لصالح جيل الستينات، والذي يرى من ينتمون إليه أنهم الاستثناء، ويستحقون مكانة «الأفضل»، خاصة لو تمت مقارنته مع الجيل الذي تفتحت عيناه وإدراكه في الألفية الثالثة.
يقولون مثلاً إنهم كانوا يقرأون بشغف مجلات الأطفال «ميكي» و«سمير» و«تان تان»، وإنهم كانوا يقضون الساعات الطويلة في متابعة سور «الأزبكية» بوسط مدينة القاهرة قبل هدمه، حيث تباع الكتب الأدبية والعلمية بأسعار زهيدة، كما أنهم يعلنون بفخر أنهم كانوا يفضلون أنواعاً معينة من المشروبات الغازية، بينما هذا الجيل، صار يعاني من زيادة معدلات تعاطي المواد المخدرة، الجيل الماضي لم يكن يذهب كثيراً للمقهى ويعتبرها مكاناً لأرباب المعاشات، هذا الجيل أصبح يقضي أغلب وقته في الكافتيريا.
الجيل الماضي مثله الأعلى في «تشمير» كُم القميص هو شكري سرحان، أو يفتح الصدر على طريقة أحمد رمزي، بينما هذا الجيل في حالة «نيو لوك» دائم على طريقة عمرو دياب، ويواصلون نحن جيل غنينا مع فيروز (نسم علينا الهوا)، ومع عبد الحليم (حاول تفتكرني)، بينما هذا الجيل يردد مع سعد الصغير (بحبك يا حمار).
جيل الماضي عندما كان يرى سيدة أو رجلاً عجوزاً يستقل (الأوتوبيس) يترك له مقعده، بينما جيل الألفية الثالثة يتصارعون ليستحوذوا على الكرسي.
كلها كما تبدو مبالغات وغزل في زمن من وجهة نظرهم لم يعرف أبداً «العيبة»، وهي نظرة انتقائية تخاصم المنطق، لأنها ترى أن الجمال والشهامة والجدعنة والثقافة تقف فقط عند حدود حقبة زمنية ولا تتخطاها، الجرائم والتجاوزات ليست قرينة بمرحلة ولكنها توجد في كل الأزمنة.
«النت» لعب دوراً في منح التجاوزات ذيوعاً لم يكن متعارفاً عليه في الماضي، أكذوبة أخرى نرددها، زمن الفن الجميل وزمن الفن القبيح، وفي العادة نصدقها لأنها تداعب شيئاً خاصاً وحميماً لدينا، ولكنها لا تعبر دائماً عن الحقيقة.
كل إنسان يعتز بزمنه لأنه تعود على ثقافة متراكمة، زمن التليفون الأرضي ليس قطعاً مثل زمن المحمول، أتذكر أنني سألت قبل نحو عشر سنوات الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة، لماذا لا تكتب على «الكيبورد»؟ قال لي: «صوت احتكاك سن القلم بالورقة ينعش وجداني»، وكأن هذا الصوت يحقق له ارتباطاً شرطياً يدفعه للكتابة.
الإنسان عادة لا يرحب بأن يتعلم أسلوباً جديداً غير ما ألفه، الآلة الجديدة تحتاج إلى طاقة وجهد وزمن للاستيعاب وكما قال الفلاسفة «الإنسان عدو ما يجهل».
كما أن المبدع من الممكن أن يقدم النوعين، الشاعر الذي كتب رائعة سيد درويش (بلادي بلادي) هو نفسه الذي كتب الأغنية الخليعة (ارخي الستارة اللي في ريحنا / أحسن جيرانك تجرحنا) الأغنيتان من تأليف الشيخ يونس القاضي.
لا ينبغي أن يعقد أحد مقارنة بين نانسي عجرم وأم كلثوم، الفنان يعبر عن ناسه ومجتمعه، لا يوجد جيل هو الأفضل، بل إنه لا يوجد ميزان دقيق يحدد على وجه الدقة الجمال من القبح، ومع تغير الأزمنة، قد يحدث تغيير في المعيار، والدليل أن أغاني المطرب أحمد عدوية في زمن السبعينات كانت تعتبر عنواناً صارخاً للرداءة، الآن يعاد الاعتبار إليها باعتبارها هي العنوان الصحيح والصريح للفن الشعبي المحترم، مقارنة في هذا الزمن بأغاني المهرجانات!