طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«براعة الاستهلال» لا تكفي

حكت لي القديرة نادية لطفي أنه عندما وقع اختيار المنتج الشهير رمسيس نجيب عليها لبطولة فيلم «سلطان» أمام فريد شوقي، لم يكتفِ بأنه أمام فتاة حسناء شقراء، بل عهد بها أولاً إلى الفنانة القديرة زوزو نبيل لتعليمها فن الأداء الدرامي، والأستاذ عبد الوارث عسر لضبط مخارج الألفاظ الصحيحة وتلقينها فن الإلقاء، وإلى أستاذة من أصول أرمنية متخصصة في علم الأصوات وهي مدام (رطل) لتدريبها على قواعد التلوين الصوتي المنغم.
أكيد أبهره في البداية جمالها ووجد أنها تعتبر إضافة بعد جيل الخمسينات فاتن وماجدة وهند وشادية وسميرة، إلا أن الجمال وحده لا يكفي، تابعنا كم ملكة جمال اقتحمت المجال الفني، ولم تستطع استكمال المسيرة، لأن ما يضمن الاستمرار هو سحر ووميض خاص يتجاوز الجمال الشكلي.
كثيرات هن ملكات الجمال اللاتي حاولن وتهافتت عليهن شركات الإنتاج، ثم لم يكملن الطريق، ولا داعي لذكر الأسماء، فمنهن ممن صرن لا تشاركن إلا في لجان التحكيم فقط كعضو لاختيار الفتاة الأجمل.
لا أنكر قطعاً أن الجمال ممكن أن يصبح سبباً للانطلاق، مثلما حدث مع كثير من نجمات العالم محلياً وعالمياً، إلا أن الاستمرار في الدائرة الفنية قضية أخرى.
الموهبة أولاً تلك هي القاعدة، سألت يوماً المخرج الكبير صلاح أبو سيف عن طريقة اختياره لنجمات أفلامه؟ أجاب الدور ينادي صاحبه، وضرب مثلاً بشخصية العانس (نفيسة) في «بداية ونهاية»، كان ينبغي أن يذهب الدور لامرأة لا تهتم بإبراز جمالها، وكان الترشيح الأول هي فاتن حمامة، إلا أن فاتن خشيت من الدور، وعلى الفور قفزت أمامه صورة سناء جميل، فحظيت بعدها بأكثر من جائزة.
كثيراً ما نرى أن النجمات خاصة في السينما المصرية هن اللاتي يخترن مدير التصوير، والذي تنحصر مهمته في تجميل البطلة، حتى ترضى عنه وترشحه للفيلم المقبل، وتلك واحدة قطعاً من أهم آفات السينما المصرية، إلى درجة أن مخرجاً مخضرماً، أسند دور فتاة بلهاء تنام على الأرصفة، إلى نجمة تعتقد أن جمالها هو أساس نجوميتها، فكانت تبدو كاملة الماكياج على الشاشة، وعندما شاهدت الفيلم سألت المخرج كيف لم تتنبه إلى ذلك؟ أجابني: خدعني مدير التصوير.
طبعاً عذر أقبح من ذنب، لا يوجد مخرج على الإطلاق لا ينظر لـ«الكادر» من خلال العدسة قبل أن يعطي أمراً ببدء التصوير، ما لم يقله المخرج المخضرم، إنه يعلم أن النجمة لا ترشح فقط مدير التصوير، بل هي أيضاً التي رشحته لإخراج الفيلم، بعد أن ظل على الخط بعيداً عن ممارسة المهنة عدة سنوات.
النجمة لم تدرك أن من يمنحها البقاء على الخريطة الفنية هي الموهبة أولاً قبل الجمال، ومع الأسف الجيل الجديد من النجمات أغلبهن لم يتعلم الدرس، لا أزال أرى النجمة تصور مشهداً وهي على فراش الموت، بعد أن أنهكها المرض بينما وجهها من فرط الماكياج يبدو (على سنجة عشرة)، الجمال من الممكن أن تعتبره مثل مطلع القصيدة يجب أن يكون لافتاً للانتباه، إلا أنه مهما بلغت روعته لا يزيد عن كونه بمثابة براعة الاستهلال، ومن المهم ألا تخذلنا باقي أبيات القصيدة!