سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

العميد والزوجة الفرنسية

سمّي طه حسين «عميد الأدب العربي» لأنه كان أول من حاز الدكتوراه في مصر. وكانت أطروحته عن أشهر ضرير عربي قبله، أبو العلاء المعري. لكن العمل الذي منحه اللقب كان أبسط أعماله في الحياة التربوية والأدبية في مصر. فلا يصدق العقل العادي أن رجلاً واحداً أسس جامعة الإسكندرية، وطور جامعة القاهرة، وأعطى المصريين ما لم يعطهم أحد قبله ولا بعده، مجانية التعليم، أي منجم الطاقات البشرية.
هذا العالم هو الذي شكك، الذين دونه، في علمه. وشكك قلائل الوجدان في وطنيته، لأنه تزوج فرنسية. وتلك الفرنسية كانت سره الكبير، ونور عينيه العظيمتين، وبداية قدره المعكوس. أشفقت العائلة الباريسية على الطالب الأعمى فأعطته غرفة في منزلها. وبسبب خجله من نفسه، كان يصر على تناول الطعام بمفرده، تماماً كما كان يفعل المعري. ثم أخذت سوزان تساعده في دروسه إلى أن قال لها ذات يوم بالاحتشام العربي: «هل تسمحين لي يا آنستي بأن أعلن حبي لك»؟
تزوجا وعادا إلى مصر بعد أربع سنين ومعهما مؤنس، ابنهما البكر. وكانت تقول له: وقتك أهم من جميع الناس. وهكذا، انصرف إلى العمل طوال الأسبوع، يكتفي باستقبال المصريين وزوار مصر يوم الأحد. وجاءه يطلبون التعرف إليه كبار أدباء أوروبا، الذين أبهرهم كتابه «الأيام» الذي وضعه في أقل من أسبوع. وكان بين زواره جان كوكتو وأندريه جيد. وكتب الأخير يصف هدوءه وسكينته ومعرفته وطيبته، «لكن أكثر ما أذهلني فيه ضحكته الصافية مثل ضحكة طفل».
هوجم «صاحبنا» لأشياء كثيرة، منها نظريته أن مصر دولة عربية – متوسطية، فكما أننا جيران إيطاليا وفرنسا واليونان، فهم جيراننا أيضاً، لا عقدة ولا تفوق. وقال القاصرون، كالمعتاد، إنه «عميل» فرنسي، خصوصاً بعدما منحته فرنسا أعلى أوسمتها. لكن عندما شاركت فرنسا في العدوان على السويس، سارع إلى رد الوسام. وتوقف عن تمضية عطلة الصيف في فرنسا منذ ذلك الوقت وحتى وفاته العام 1973. بعد ساعات من الإعلان عن منحه جائزة حقوق الإنسان من الأمم المتحدة.