سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

أيا جارتا

أواصر القربى بين العراق ولبنان كثيرة لا حاجة لتأكيدها، لكن جديدها أنها على ازدياد. والزيادة ليس مُرحّباً بها دائماً على ما قال أبو العلاء المعري في شكواه من تكاثر النوازل والرزايا.
خذ مثلاً التشابه في الديمقراطية: الإخوة العراقيون ونحن اقترعنا في أسبوع واحد من شهر مايو (أيار) المبارك. وفي الديمقراطيات البائدة، مثل بريطانيا، تؤلف الحكومة فور إعلان النتائج، ويسمى رئيس الوزراء. أما نحن والعراق فديمقراطية لا مثيل لها.
نحن؛ أي الإخوة العراقيون ونحن، لسنا بمثل هذه الخفّة، ينطبق علينا:
نعم أنا مشتاق وعندي لوعة
ولكن مثلي لا يذاع له سر!
تفسير النتائج الانتخابية في البلدين الشقيقين سر من أسرار دافنشي. وليس بهذه السهولة تفسر النتائج، فمن تعتقدنا؛ بريطانيا أم سويسرا؟
الأرقام، في البلدين العزيزين، وجهة نظر. لذلك استمرت الانتخابات في العراق طويلة مثل مواويل حضيري أبو عزيز؛ بل تم التفكير في إعادتها لأنها جرت على النظام الإلكتروني المتخلف، فيما الأصح هو النظام الحمورابي. خمسة أشهر، أي نحو نصف سنة، والحلف العراقي - اللبناني يبحث عن حكومة موزعة على القوى الفائزة.
من يترجم الفوز؟
هل الصوت الذي فزت به أنت مثل الصوت الذي أفوز به أنا؟! ومن يوزع الحقائب الوزارية في لبنان؛ رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أم وزير الوزراء جبران باسيل؟ في مهد الديمقراطية اللبنانية صار مألوفاً جداً أن الحكومة في انتظار عودة باسيل.
دولتان في الانتظار: انتظار من يفسر لهما الدساتير وأعمال الجمع والقسمة. اعتمدنا في لبنان قانون النسبية الذي لا مثيل له، ففاز في زحلة نائب بـ75 صوتاً، وخسر منافسه بـ4 آلاف صوت. لكن الشعب اللبناني ربح بممارسة حقه في التصويت الديمقراطي.
نسينا، على كثرة المقارنات، الشبه الآخر مع العراق: كلانا من دون كهرباء، لكن جيوب الفاسدين والفاسقين مضاءة. ونمتاز في لبنان على بغداد بأن عندنا وزارة خاصة لمكافحة الفساد، ولها وزير يشكو من الملل... حتى اللحظة لم يتم العثور على مشبوه واحد. وحتى الآن تترحم وزارة الطاقة على اللبنانيين ببضع ساعات إنارة في اليوم، تؤمنها بواخر تركية واقفة في عرض البحر منذ سنين. وتكلفة هذه البواخر في عام تكفي لإقامة مصنع دائم. ويقولون ليلى في العراق مريضة! أو بالأحرى مرة أخرى مع حضيري أبو عزيز:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة
أيا جارتا لو تشعرين بحالي...