حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

وسائل التواصل الاجتماعي والنتائج العكسية

وسائل التواصل الاجتماعي فتحت الباب على مصراعيه ليكون ساحة نزالات على المستوى السياسي والفكري والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والديني والعقائدي، وفي تقديري أن المنازلات العقدية والمذهبية هي أكثرها حساسية وخطورة، ومع أن المؤمل أن تتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى أشبه بدورة مكثفة في التواصل مع الآخر وترويض المفردات الحوارية وفهم الآخر من مصادره لا من مصادر الآخرين المخالفين، إلا أن النتيجة كانت عكسية في كثير من الأحوال، فأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وقوداً سكبه بعض المتواصلين على نيران التعصب الديني والمذهبي والعرقي والقبلي والسياسي فازدادت اشتعالاً.
ولو أخذنا جولة موضوعية في أتباع المذاهب في داخل الدائرة الإسلامية فسنجد شريحة تضع مسطرة حادة في التعامل مع المخالف، فلا تقبل منه صرفاً ولا عدلاً، والناس عند هذه الشريحة إما قديس أو إبليس، لا مكان لألوان الطيف، هو أسود أو أبيض، وتتغنى بالإنصاف في التنظير وتدوس عليه في التطبيق، وتكثر الاستشهاد بأئمة أجلاء كابن تيمية وابن القيم والذهبي ومحمد رشيد رضا وابن باز وغيرهم، وتشيح بوجهها عن منهجيتهم المعتدلة المنصفة في التعامل مع «الآخر».
فلابن تيمية، مثلاً، الذي يُعتبر خصماً للصوفية وطرقها ونالها منه نقد شديد منثور في أدبياته، كلام منصف عن الاحتفال بالمولد لا يقوى على القول به عدد من أتباعه المتأثرين بمنهجه، يقول: «والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي عيداً».
فابن تيمية يقرر كذلك أن التصوف لا يخلو من حق، يؤخذ به، ويحمد عليه، فالمنهج الذي يقرره، وهذا الذي يهمنا هنا، أن المذهب البدعي ليس كل ما فيه باطل، بل فيه من الحق بقدر ما فيه، والعدل والميزان: أخذ ما فيه من حق، وترك باطله، وهذا التأصيل المنصف ليس حكراً على نظرته للصوفية فقط فهو أيضاً ينسحب على المذاهب العقدية والفكرية قديمها وحديثها.
هذه المنهجية المنصفة مأخوذة أصلاً من المنهج القرآني (وإذا قلتم فاعدلوا) (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا) والنصوص في ذلك كثيرة ومتضافرة، ومع أن بعض محبي ابن تيمية المتحمسين له يمرون على مثل هذه النصوص إلا أن «بعضهم» حين يواجه إنزالها على الواقع تستنكف نفوسهم ويتراجعون حتى لو عززها قامة علمية محبوبة لهم مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، يروي أحدهم، وعندي المصدر، أن عالماً فاضلاً كان يشرح كتاب «اقتضاء الصراط المستقيم» لشيخ الإسلام ابن تيمية، وترقبت وصوله إلى عبارة تنصف المتصوفة قد لا تروق لبعض محبي ابن تيمية، فإذا بالشيخ يتجاوز هذا الكلام أصلاً ولا يشير إليه، وهذا علاوة على أنه ليس منهجاً علمياً ففيه انتقاء لأقواله بما يناسب رأي هذا العالم وهذا خطأ.