طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

ريشة أم بطحة؟

هل الشهرة تمنح من يحظى بها قدراً من الحماية والتسامح؟ أم أنها على العكس تضعه 24 ساعة يومياً تحت طائلة المساءلة، وربما أيضاً توجيه الاتهام، بل وإثباته قبل أن يشرع في ارتكاب شيء، هل هي (ريشة) على رأسه تمنحه التميز، أم (بطحة) تضعه دائماً تحت مرمى النيران.
كثير من الاهتمام يحظى به النجوم، ولهذا أصبحوا هم الذين تتصدر أسماؤهم ووجوههم الإعلانات، لأن الناس في العادة تسعى لتقليد المشهور في كل تفاصيل حياته.
من الممكن ملاحظة مثلاً كيف أن لاعب الكرة المصري العالمي محمد صلاح أحد أيقونات هذا الزمن في كرة القدم، وكيف توجّهت إليه الوكالات الإعلانية، من أجل الترويج لبضاعتها، بل إن عدداً من شركات الإنتاج السينمائي حاولوا الحصول على موافقته لبطولة أفلامهم، وبالطبع لا يزال محمد صلاح رافضاً استثماره، إلا أن آراءه السينمائية أصبحت مجالاً للتباهي، وهكذا مثلاً عندما كتب على صفحته أنه قرأ الكثير من مقالات الإشادة بفيلم «تراب الماس» ولهذا سيشرع قريباً في مشاهدته، تناقلها صُناع الفيلم باعتبارها شهادة ذهبية، وكانت حافزاً أيضاً لمشجعي صلاح بالذهاب للسينما لمشاهدة الفيلم.
في العادة تعامل الناس المشاهير بقدر كبير من الحفاوة، كل ما يصدر عنهم يعتبرونه هو الأهم، فقط لأنه صادر عنهم، مشاهير الكرة طوال التاريخ يرشحون لبطولة الأفلام وهم لا يمتلكون سوى اللعب بالأقدام، إلا أن النجومية تساهم في انتقالهم بسهولة من المستطيل الأخضر إلى مستطيل الشاشة الأبيض.
وهناك تنويعات على نفس التيمة، من الممكن أن تجدها في الاستعانة بالمطربين والمطربات في الأفلام، بداية من موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب حتى المطرب الشعبي محمود الليثي، استغلال شهرة المطرب هي الدافع الأول لبداية انطلاق المشروع الفني.
الناس على الجانب الآخر تتباين في ردود أفعالها تجاه المشاهير، الأغلبية في العادة ترحب وتسعد بوجودهم، في الماضي كان الجميع يتباهى بأنه حصل على توقيع هذا النجم على «الأوتوغراف»، وذلك قبل إحالته مع بزوغ الألفية الثالثة على المعاش، مواكباً لانتشار المحمول، ومن بعدها صار «السيلفي» هو الوسيلة الأسهل في توثيق اللحظة. إلا أن هناك قطاعاً من الناس يتعامل مع المشاهير بقدر لا ينكر من التجاهل المتعمد، وكأنه يُعاقبه بسبب الشهرة، أو يريد مقاومة إحساس انجذاب بداخله تجاه هذا النجم، فيمعن في التجاهل كأحد وسائل الإنكار.
نعم للشهرة في أحيان كثيرة وجهاها الإيجابي والسلبي، فهي بقدر ما تحرم الإنسان من أن يعيش الحياة بكل تفاصيلها دون إزعاج، بقدر ما تُسعده عندما يستشعر حالة البهجة التي تتحقق له وهو يلمس كل هذا الفيض من الحب في صدور الناس.
الشهرة أيضاً تزيد من قيمة إبداع الفنان، فقد حكى الشاعر الغنائي أحمد شفيق كامل مؤلف عدد من أرق أغنيات أم كلثوم، روى أنه في أغنية «أمل حياتي» التزم باعتراض كوكب الشرق على شطرة (أنام واصحى على شفايفك)، قالت له (ثومة) كلمة (شفايفك) حسية ومباشرة فأحالها إلى (أنام واصحى على ابتسامتك)، وفي الحفل وهي تعيد (الكوبليه) لم تلتزم بالتغيير، وكانت أكثر مرة صفقت لها الجماهير إعجاباً.
بعد الحفل مباشرة قال لها (شفيق) الجمهور أعجب بأصل الكلمة، قالت له: الناس اعتقدت إن أنا غيرتها، فصفقوا بحرارة للشاعرة (أم كلثوم)!