د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا ومشوار البراءة من «لوكربي»

عادت قضية لوكربي إلى السطح من جديد، بعد ظهور أدلة وشواهد تبرئ ليبيا وتدين إيران في قضية تفجير طائرة الـ«بانام» فوق بلدة لوكربي عام 1988، التي أدين فيها المواطن الليبي عبد الباسط المقرحي دون النظام رغم شهادات من وزير العدل في نظام القذافي، الذي قال إن «القذافي هو من أعطى الأمر شخصياً بتفجير طائرة الـ(بانام)» رغم عدم تقديمه أي دليل على أقواله سوى العداء لنظام القذافي.
المقرحي هو المدان الأوحد في قضية التفجير بعد محاكمة فريدة من نوعها فوق أرض هولندية بقضاء اسكوتلندي، تحاكم مواطناً ليبياً، وانتهت بالحكم بإدانة الراحل عبد الباسط المقرحي بناءً على مزاعم لتاجر ملابس مالطي (الشاهد الأوحد)، بأنه رأى المقرحي يشتري ملابس شبيهة بتلك التي كانت في الحقيبة التي احتوت القنبلة، وكانت مزاعم التاجر المالطي بعد سنوات من الحادثة؛ الأمر الذي لا يمكن لعاقل القبول به، فكيف لتاجر ملابس تذكر جميع الزبائن؛ خصوصاً العابرين لمرة واحدة؛ بل وتذكر مشترياتهم بهذه الدقة؟!
المقرحي بعد أن أفرجت عنه الحكومة الاسكوتلندية بعد إصابته بسرطان البروستاتا، حتى توفي في مايو (أيار) 2012، ظل متمسكاً بالدفع ببراءته حتى مماته.
تفجير طائرة لوكربي كانت هناك شواهد كثيرة تؤكد أنه كان انتقام الخميني لطائرة الركاب الإيرانية التي أسقطتها أميركا على أنها طائرة معادية، إذ أكد الكاتب الأميركي دوغلاس بويد أن وكالة الاستخبارات بوزارة الدفاع الأميركية أصدرت بياناً في سبتمبر (أيلول) 1989 تقول فيه إن «التفجير تم التخطيط له والأمر بتنفيذه وتمويله من جانب وزير الداخلية الإيراني الأسبق علي أكبر موهتشاميبور، بينما تم الاتفاق مع أحمد جبريل زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على تنفيذ العملية». وهذا ما نشرته صحيفة «الديلي ميل» البريطانية من كتاب دوغلاس بويد الذي رفض فرضية وقوف ليبيا وراء تفجير طائرة لوكربي، مؤكداً أن إيران هي التي أسقطتها.
فقد اعتاد النظام الغربي في غالبيته التعامل بمعايير مزدوجة، والشواهد كثيرة، وليس آخرها قضية اتهام ليبيا بالتورط في تفجير طائرة الـ«بانام» التي سقطت فوق بلدة لوكربي الاسكوتلندية، حيث دفعت الخزينة الليبية مليارات الدولارات تعويضاً لضحايا قضية ليست طرفاً ولا شريكاً فيها، ولكن النظام الليبي وقتها يبدو أنه فضل الرضوخ لتعويض الضحايا حتى يجنب نفسه فتح ملفات أخرى ليست في صالحة، فكان الضحية مواطناً ليبياً لا علاقة له بالحادث، ولكن حظه العاثر جعله كبش فداء.
حين استقبل الليبيون المواطن الليبي البريء من دم «لوكربي» استقبال الأبطال بعد الإفراج عنه بسبب تفاقم مرضه (السرطان)، اغتاظ وامتعض واستاء الأميركيون بحجة التهاون بمشاعر أهالي الضحايا، في حين لمس أغلب الليبيين، حتى المعارضون لنظام القذافي، أن في قضية المقرحي جانباً كبيراً من غياب العدالة، فالمقرحي ضحية قضية هي في الأصل سياسية ولا علاقة للقضاء بها، ولكن للأسف تم تسييس القضية برمتها، بل يحق لنا أن نطالب الحكومة الاسكوتلندية خصوصاً بملف المقرحي الطبي وبإيجاد لجنة طبية محايدة لتبيان ما إذا كانت الإجراءات الطبية السليمة نحو المقرحي كانت تتم أثناء اعتقاله ولم يكن يلقى إهمالاً من قبل أطباء السجن؛ لتفشي المرض في جسده.
المقرحي تعرض للظلم مرتين؛ مرة عندما تمت إدانته في قضية مسيّسة، ومرة أخرى عندما أجبره القانون الاسكوتلندي على التخلي عن حقه في استئناف طريق براءته الطويلة لكي يستكمل ما تبقى من عمره مع والدته وأطفاله.
المقرحي الذي رحل عن عالمنا كان ضحية قضية سياسية مدفوعة الثمن، وسيأتي يوم تتحقق فيه العدالة بعيداً عن السياسة؛ فالمقرحي، أو «المقراحي» كما تعوّد اللسان الغربي نطقه، بريء، وهو الآخر إنسان له شعب عنده مشاعر.