حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

منطقتنا والمنعطفات الخطرة

لا أحبذ كثيراً التعبير العربي الشهير «نحن نمر بمنعطف خطير»، لأن التعبير استهلك لدرجة أن تاريخ عدد من الدول العربية قديماً وحديثاً كله «منعطفات»، ولا يوجد مسار مستقيم آمن مزدهر، وهذه مبالغة أفرغت التعبير من محتواه، وصار لا قيمة له، كما أن هذا «المنعطف» استغلته الانقلابات العربية المتخلفة لمزيد من قمع شعوبها وسرقة مقدراتها وثرواتها، والحجة أن الوطن يسير في «المنعطف» الخطر، فيلزم على الجميع ألا يُسمع منهم إلا النَفَسُ فقط حتى تجاوز المنعطف المتواصل بلا نهاية، فكثرت في الدول الانقلابية، بسبب هذا «المنعطف»، السجون والمعتقلات والقمع والترهيب، وانتشر الفساد، وتراجعت التنمية، وتخلف التعليم، وتهاوت الخدمات الصحية، وتحول «المنعطف» إلى كارت أحمر يُشهر في وجه كل محاولات الإفاقة من وهدة التخلف.
لكن والحق يقال، وليس ما أقوله مناقضاً لمقدمة المقال البتة، إن الأمة العربية منذ مطلع التسعينات مروراً بالثورات العربية الفاشلة، وقيام دولة «داعش» الإرهابية المزعومة، وهي تتعرض لمنعطفات حادة وخطرة، ولأنها فعلاً منعطفات حقيقية خطرة فقد سقطت في هذا المنعطف المميت أربع دول؛ سوريا والعراق واليمن والصومال، وتداعت لهذا السقوط بقية أعضاء الجسد العربي بالحمى والسهر والاهتزازات الاقتصادية والأمنية.
لقد ابتليت منطقة الشرق الأوسط، من بين سائر مناطق العالم، بالحروب والفتن ما ظهر منها وما بطن، فالانقلاب على سياد بري جر الويلات والفرقة والتناحر العسكري على الصومال ولم يفق منها بعد، وسقوط صدام سقط بعده العراق القوي ليكون هشاً تنخره قوى الطمع والتمدد والاحتلال، والثورات العربية خلفت وراءها دماراً هائلاً في بعض دول الثورات ودولاً فاشلة في بعضٍ آخر وهشاشة أمنية واقتصادية وسياسية في بعض، فالمنعطفات فعلاً حادة وأحدثت جراحاً سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية؛ تحتاج أمتنا العربية إلى عشرات السنين كي تبرأ منها.
ولهذا فالضرورة تحتم على الدول العربية، قادةً وشعوباً، التي سلمت من ويلات الثورات والتغيرات، أن تعتبر نفسها حقاً وحقيقة ما زالت في «المنعطف»، لأن لهيب ودخان وشرار الثورات والتغيرات ما زال ينبعث من الدول المتضررة منها، فالخطر محدق و«المنعطف» مميت، فليس قصوراً في حق الشعوب أن تصبر على مسؤوليها، حلوهم ومرهم، عجرهم وبجرهم، إنجازاتهم وإخفاقاتهم، صلاحهم وفسادهم، فهذا ليس خوراً ولا ضعفاً ولا استكانة، كما يصورها الثوريون المتهورون، الذين اصطلت بلادهم بنيران الثورات والتغييرات، حتى تمنت شعوبهم العودة لحكامهم المتسلطين المتجبرين، ولا العيش في حياة التشرد والفقر والقتل التي خلفتها الثورات.
سنظل في «المنعطف» الخطر ما دام نظام الخمينية الفاشي الدموي يعيث في دول المنطقة احتلالاً وتمزيقاً وطائفية، وسنظل في «المنعطف» الخطر ما دامت بعض دول العالم الغربي تشهد نمطاً مختلفاً في قادتها، وباختيار شعوبها، النمط الشرس الذي لا يهنأ له بال، ولا يقر له قرار حتى يشارك الدول الغنية لقمة عيشها، ويساومها في أمنها واستقرارها.