صالح القلاب
كاتب أردني. وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق، وعضو سابق في مجلس أمناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق.
TT

«ضغوط» قاسية يواجهها الأردن ولا دعم إلا من السعودية والخليج!

ربما أن هناك من لا يعرف كم أن الأردن قد تعرض لضغط أميركي لا يزال متواصلاً من أجل إلزامه بالاستجابة لـ«صفقة القرن»، التي كان أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بدون أي إيضاحات فعلية وبلا أي تفصيل، ومن أجل تخليه عن «حل الدولتين»، لكن ورغم هذا كله فإنه، لم يتزحزح عن موقفه ولم يتخلَ عن قناعاته في هذا المجال، والمعروف أن الملك عبد الله الثاني بن الحسين قد واصل التأكيد على هذا الموقف والتمسك به مع أن ظروف بلده الاقتصادية قد تجاوزت الخطوط الحمراء وأصبحت خطيرة وفي غاية الصعوبة.
وتجدر الإشارة إلى تقرير كانت نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية قبل أيام أكدت فيه أنَّ العاهل الأردني قد رفض «بشكل مباشر وبوضوح» اقتراحات كان طرحها مستشار دونالد ترمب وصهره جاريد كوشنر تقضي بتسليم الأردن المخصصات التي تمنحها أميركا سنوياً لـ«الأونروا» مقابل تحمل المسؤولية الكاملة عن اللاجئين الفلسطينيين، وقد أكدت هذه المجلة أن الأردن كان ولا يزال يرفض وبوضوح أي طروحات يتم تقديمها بخصوص التنازل عن القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين ومهما كان المقابل.
والمهم فإن المملكة الأردنية الهاشمية إذْ ترفض كل ما يمكن اعتباره مغريات أميركية، رغم ظروفها الاقتصادية الصعبة ورغم مشكلتها الفعلية العالقة مع صندوق النقد الدولي، فلأنها تدرك أن هدف الأميركيين هو هدف الإسرائيليين نفسه، وهو تجريد اللاجئين الفلسطينيين من وضعيتهم القانونية، وهو تصفية القضية الفلسطينية، وأن الأردن، كما جاء في تقرير «فورين بوليسي» المشار إليه آنفاً، ليس فلسطين، وأن هذا كان ولا يزال يشكل أولوية محورية بالنسبة للأمن الوطني الأردني، وأنه يشكل أيضاً موقفاً وطنياً وقومياً ثابتاً تجاه حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ولعل ما يجب أن يقال على هذا الصعيد إن بقاء العاهل الأردني لأكثر من أربعة أسابيع في الولايات المتحدة، الذي أثار تساؤلات كثيرة بالنسبة للأردنيين وبالنسبة للمراقبين والمتابعين عن بعد، كان من أجل متابعة هذه القضية التي عنوانها «صفقة القرن»، مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب نفسه ومع مسؤولين أميركيين آخرين، ويقيناً أن الملك عبد الله الثاني رغم ظروف بلده الاقتصادية الخطيرة فعلاً قد بقي متمسكاً بموقفه وبأنه لا حلَّ إلا حل الدولتين، وأن من حق الشعب الفلسطيني أن يقيم دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن من حق اللاجئين الفلسطينيين الحصول على ما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة في نهايات الأربعينات وبعد ذلك.
وحقيقة أن الأردن، القيادة والشعب، يعرف أنَّ أي خلل في معادلة حل الدولتين، الذي يعني إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، سيعني أنه سيتحول إلى وطن بديل للشعب الفلسطيني بدل وطنه التاريخي الذي هو فلسطين أو في فلسطين وليس خارجها، وهذا يعني أن هذه المنطقة كلها ستواجه حالة عدم استقرار وعواصف سياسية مدمرة وستشهد خرائط جديدة ستكون غير ثابتة بل متحركة باستمرار. وعليه فإن الأردن، رغم ضغوط دونالد ترمب وصهره جاريد كوشنر ورغم ما يعتبر إغراءات تلوح بها الولايات المتحدة، يعتبر أن هذه المسألة مسألة حياة أو موت، وأنه لا بديل لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، وهنا فإنه لا بد من التأكيد الجازم بأن هناك تطابقاً في المواقف بين المملكة الأردنية الهاشمية والسلطة الوطنية الفلسطينية، وبالطبع بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن).
والغريب أن الأميركيين في الوقت الذي كانوا يمارسون فيه ضغطاً شديداً على الأردن لحمله على تغيير مواقفه تجاه الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية قد توجهوا بضغط أيضاً مماثل إلى المملكة العربية السعودية، على اعتبار أنها تشكل الرقم الرئيسي في المعادلة الشرق أوسطية وأن تخليها عن الأردنيين قد يضعف مواقفهم الآنفة الذكر هذه، وبخاصة أن بلدهم يواجه مأزقاً اقتصادياً فعلياً وأنه بات يخشى من انهيار مدمر في هذا المجال، والأسباب هنا متعددة وكثيرة، من بينها أنه أصبح مستودعاً كبيراً للاجئين، سواءً للاجئين الفلسطينيين، لاجئي عام 1948 وما بعد حرب عام 1967، أو اللاجئين السوريين.
ثم وإن ما يعني أن تصريحات ترمب التي ردت عليها الرياض بأن المملكة العربية السعودية كانت قائمة وموجودة قبل وجود الولايات المتحدة بفترة طويلة، كان القصد منها ممارسة ضغط على هذا البلد العربي كالضغط الذي مارسته وتمارسه على الأردن، والهدف، إنْ هنا وإنْ هناك، هو التخلي عن الشعب الفلسطيني وقضيته، التي هي قضية مقدسة، والقبول بما يسمى «صفقة القرن» التي لا تزال غامضة وغير معروفة حتى بخطوطها العريضة، وبالتالي التخلي عن حل الدولتين،
ويبقى أنه لا بد في الرد على ادعاءات ترمب وبعض رموز إدارته من الإشارة إلى أنه على الرئيس الأميركي أن يعرف أن المملكة العربية السعودية دولة راسخة رسوخ الجبال وأن شعبها على قلب رجل واحد هو قلب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ومعه ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وكل هذا في حين أن الولايات المتحدة في عهد بوش (الابن) هي التي سلمت العراق للإيرانيين وسلمت سوريا للروس في عهد باراك أوباما وأن البحر الأبيض المتوسط قد اقترب من أن يصبح بحيرة روسية.
ثم وإن ما يجب تذكير الرئيس ترمب به هو أن الذين كانوا في البيت الأبيض قبله قد دفعوا تركيا، العضو المؤسس في حلف شمال الأطلسي والتي يعتبر جيشها ثاني أكبر جيش فيه، دفعاً للخروج من هذا الحلف وسلموا هذا البلد الاستراتيجي المهم للرئيس فلاديمير بوتين الذي بات يتصرف كما كان يتصرف جوزيف ستالين عندما كان الاتحاد السوفياتي يوصف بأنه عظيم وأنه يهيمن على بعض دول الشرق الأوسط الرئيسية.
إن من الأفضل أن يتخلى ترمب عن ادعاءاته بالنسبة للسعودية، وأن يوقف ضغوطه على الأردن وعلى الملك عبد الله الثاني، وأن يأخذ بعين الاعتبار أن روسيا قد عادت لتحل محل الاتحاد السوفياتي، وأن الصين بإنجازاتها الاقتصادية غدت بمثابة شوكة في حلق الولايات المتحدة، وأن عهده (الجمهوري) هو عهد المزيد من الخلافات مع معظم الدول الأوروبية التي جميعها أعضاء في حلف شمال الأطلسي، وعليه وفوق هذا كله فإنه لا يصح إلا الصحيح، وأن الصحيح هو أن الأميركيين أكثر «احتياجاً» للعديد من الدول العربية من حاجة هذه الدول إليهم، وكل هذا مع التأكيد أن العرب عموماً وبأكثريتهم يعتبرون أن أميركا دولة صديقة وحليفة وأنهم يريدون أن تكون العلاقات معها بعيدة عن الادعاءات الفارغة والتهديد والوعيد وعلى أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة التي هي متعددة وكثيرة.