سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

خوذة إمبريالية

اعترض البعض على الأميركية الأولى؛ ميلانيا، بأن القبعة التي كانت تعتمرها خلال زيارتها لآثار مصر، من الطراز الذي اشتهر به مكتشفو الآثار خلال المرحلة الاستعمارية. يا للهول؛ بل يا لأبي الهول الذي عقدت ميلانيا ترمب في حضرته أول مؤتمر صحافي لها في حياتها.
وقد كان الخطب الأكبر قبل ذلك في أفريقيا، عندما اعتمرت ميلانيا خوذة استعمارية إمبريالية انعزالية ذيلية انحرافية حاقدة. لا شك في أن المعترضين تخطوا سن الإحساس بأي شيء... بالأناقة الفائقة، والجمال الفائق، وذلك القدر الفائق الذي جعل هذه التحفة من العاج تولد في قرية من سلوفينيا أيام التقشف الشيوعي، ثم تصبح السيدة الأولى في أهم بلد رأسمالي.
يتأمل متشائم مريض هذا المشهد، ويضع سبابته على أنفه، ثم يقول: «صحيح. لكنها تعتمر خوذة استعمارية الطراز»، كمثل الذين قالوا إن اللورد بايرون من أعظم شعراء العالم، لكنه أعرج. أما الذي فعله المتفائلون يومها فإنهم أخذوا يعرجون في مشيتهم، لعلهم يحصلون على شيء مما حصل عليه في موهبة الشعر، أو في إعجاب النساء.
لطالما لعبت زوجات الرؤساء في الغرب دوراً أساسياً في رسم صورة الزوج: سواء كانت الزوجة مثقفة مثل إليانور روزفلت، أو طيبة مثل ميمي آيزنهاور، أو جذابة مثل جاكلين كيندي، التي كانت نصف صورة زوجها في حياته وفي مماته. وكانت رايسا غورباتشوف أول سيدة أولى في الاتحاد السوفياتي، شابة وجميلة وأنيقة، بعكس جميع من سبق من رفيقات.
وفي فرنسا كانت العمة إيفون، زوجة ديغول، جزءاً مهماً من سمعته كرجل عائلي. وكان فرنسوا ميتران بعكسه تماماً، يقيم علاقة غير شرعية خارج الزواج، لكنه أعطى زوجته دوراً بارزاً في القضايا الاجتماعية كسيدة أولى.
في جميع من رأى العالم من سيدات أُوليات، لم تبلغ أي منهن جمال ميلانيا ترمب... حتى الأرجنتين، التي قدمت القصر الجمهوري لعدد من جميلات البلاد، وبينهن سيدة من أصل سوري كانت الزوجة الأولى لكارلوس منعم، لم تقدم ما قدمته سلوفينيا للولايات المتحدة، وللمقياس الجمالي بين السيدات الأوليات حول العالم وعبر التاريخ.
صوَّرت هوليوود أفلاماً عدة بين آثار مصر، ظهرت فيها أشهر ممثلاتها، وبالقبعات الاستعمارية أيضاً، ولم تكن بينهن منحوتة من سلوفينيا تقارب الخمسين. وبين جميلات البيت الأبيض، كانت ميشال أوباما، فاقتضى التنويه.