سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

صوت بحريني في جني!

في الثاني عشر من هذا الشهر، كانت مملكة البحرين على موعد مع خبر سار، جاءها من مقر منظمة الأمم المتحدة في نيويورك، حيث جرى هناك التصويت بين 192 دولة، تمثل مُجمل الدول الأعضاء في هذه المنظمة الدولية الأم، وكان التصويت على مستوى الجمعية العامة فيها!
أما موضوع التصويت، فكان اختيار البحرين عضواً في مجلس حقوق الإنسان الدولي التابع للمنظمة، ومقره مدينة جني السويسرية، وهي عضوية تكتسبها الدولة التي تفوز بها، لمدة ثلاث سنوات كاملة، في عملية تشبه العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، التي تدوم عامين اثنين، والتي تتمتع بها الكويت حالياً، إلى يناير (كانون الثاني) بعد المقبل، ومن قبل كانت مصر قد حصلت عليها لعامين إلى أول يناير من هذا العام!
وكان مصدر السرور في عضوية البحرين في هذا المجلس الدولي، أن وجود المنامة داخل المجلس، سوف يجعل العواصم العربية الموجودة فيه حالياً، ست عواصم، الأمر الذي سيمثل إضافة للصوت العربي في هذا المجلس المهم!.. وهو مهم فعلاً، لأنه خلال دوراته الثلاث التي ينعقد خلالها على امتداد العام، في مارس (آذار) مرة، وفي يونيو (حزيران) مرة ثانية، وفي سبتمبر (أيلول) مرة ثالثة، يظل انعقاده حديث وسائل الإعلام الكبرى في عواصم الدنيا، بما يثيره من قضايا، وبما يفتحه من ملفات، وبما يطلقه من جدل في شتى الاتجاهات!
وكان هناك مصدر آخر للسرور، هو أن التصويت قد منح البحرين 165 صوتاً، من إجمالي 192، بنسبة تصل إلى 86%، وللمرة الثالثة في التاريخ البحريني!
والمتصور أن مهمة تنتظر ممثلي الدول العربية الخمس الأخرى، عموماً، وتنتظر ممثل البحرين خصوصاً، في داخل مجلس ربما يكون هو الأعلى صوتاً في جني، على كثرة ما تضمه تلك المدينة السويسرية الهادئة من مجالس دولية في تخصصات مختلفة.. وعلى حد تعبير السفير علاء يوسف، مندوب مصر الدائم، ورئيس بعثتها في المقر الأوروبي للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية التابعة لها، فلا شيء في تلك المدينة السويسرية التي تنام على شاطئ بحيرتها الشهيرة، أكثر من المنظمات الدولية في كل ميدان، وفي كل مجال، وفي كل اتجاه!
وعندما أقول الدول العربية الخمس عموماً، والبحرين خصوصاً، فإنني أقصدها تماماً، لا لشيء، إلا لأن لدى العاصمة البحرينية تجربة معروفة في مجال حقوق الإنسان، وأعني بها تجربة لجنة تقصي الحقائق التي تشكلت هناك في المنامة، فيما بعد ما عُرف بانتفاضة 14 فبراير (شباط) 2011، وقد كان ذلك في بدايات ما اشتهر إعلامياً بأنه ربيع عربي!
كانت الشرطة البحرينية قد تصدت للعابثين الذين ساقوا الرأي العام من مطالب مشروعة، وممكنة، وعملية، إلى شكل من أشكال الهدم في كيان الدولة، ثم إلى صورة من صور التحريض على العنف، بل وممارسته في عرض الشارع.. وكانت هناك اتهامات للشرطة بأنها تجاوزت في حق المتظاهرين، ثم كانت هناك دعوات إلى محاسبة الذين تجاوزوا من بين أفراد الشرطة!
وكان أن أبدت الحكومة حُسن النية في هذا الاتجاه، وكان أن شكلت لجنة دولية لتقصي الحقائق، وكان أن ندبت الدكتور شريف بسيوني لرئاسة اللجنة، وكان أن أعلنت مسبقاً أنها ستضع تحت يده كل ما يطلبه من معلومات، حول موضوعه، وحول مهمة لجنته، وأنها لن تضن عليه بشيء، ولن تخفي عنه معلومة واحدة، وأنها ستلتزم مسبقاً أيضاً بكل ما سوف تنتهي إليه اللجنة من توصيات.. ولم يكن الدكتور بسيوني بحرينياً، حتى يمكن معه القول بأنه سيجامل الحكومة، أو يعمل لحسابها، أو يخفي أشياء محسوبة عليها، ولكنه.. يرحمه الله.. كان مصرياً، وكان مقيماً في الولايات المتحدة، وكان خبيراً عالمياً في مجاله، وكان اسمه مرموقاً بين رجال القانون الدولي داخل مصر وخارجها على السواء!
وأذكر أن الإعلان عن تقرير بسيوني كان في المنامة، وأني حضرت المناسبة، وكانت حاشدة، وحظيت باهتمام محلي، وإقليمي، ودولي معاً!
هذه تجربة فريدة في ظني، لأن حكومة البحرين لم تشأ وقتها أن تذهب إلى إنكار أن تكون قوات الشرطة قد ارتكبت تجاوزات، وإنما بادرت من جانبها فقالت إن ارتكاب تجاوزات مما كان الإعلام يتحدث عنه وقتها، أمر وارد، وإنها لن تبادر بالنفي، ولكنها ستأتي بلجنة يرأسها غير بحريني، وسوف تنزل على ما يراه، ولن تناقشه فيما سوف يقوله، أو ينتهي إليه، وسوف تعلن تقريره على العالم، وفي حضور الكاميرات، ولن تجد حرجاً في الاعتراف بأي جوانب تقصير يشير إليها!
وهذا بالضبط ما جرى.. فلقد كان من الممكن أن تعلن الحكومة أن صاحب التقرير المكلف به، قد أنجزه، وأنها قد تلقته منه، وأنها ستختار التوقيت المناسب للإعلان عما في تقريره، وأن مهمة الرجل قد انتهت عند هذا الحد، وأن ما بعد ذلك يخصها هي، وأن.. وأن.. إلى آخره.. ولكنها لم تتصرف بهذه الطريقة، وإنما دعت البروفسور بسيوني، ليعرض هو تفاصيل تقريره، وليتكلم هو عن جهده، ويجيب هو عن تساؤلات الإعلام، وعما إذا كان وهو يمارس عمله، قد وجد تعاوناً منها، أم أنه لم يجد!
ولذلك.. فالذهاب بالتجربة متكاملة إلى مجلس حقوق الإنسان في مقره العتيد، سيكون شيئاً جديداً من نوعه، وسيكون إشارة إلى أن الدولة البحرينية حصلت على عضويته للمرة الثالثة، ليس لأن لها تجربتين سابقتين فيه هو نفسه، وبين كواليسه، وفي دهاليزه، ولكن لأن لديها تجربة في المجال الذي يهتم به المجلس، وفي الفلك الذي يدور فيه، وفي المدار الذي يتحرك في داخله!.. إنها تجربة لا يجوز أن تبقى حبيسة أرشيف الدكتور بسيوني، ولا أن تظل أسيرة خزانة الحكومة في المنامة، ولا بد أن توضع أمام 47 دولة، هي الدول الأعضاء في مجلس حقوق الأمم المتحدة، وأمام باقي الدول غير الأعضاء، التي قد تُدعى لحضور اجتماعات المجلس نفسه، ثم بين يدي كل مهتم بقضية حقوق الإنسان في العموم، لعله يأخذ منها، أو يضيف لها، فتتطور قصية حقوق الإنسان على بعضها، ويحظى الأداء العالمي فيها بمعدل إنجاز أفضل، وبرؤية أشمل، وبزاوية في النظر أوسع!
لا أزعم أبداً أن مسألة حقوق الإنسان في البحرين، أو في منطقتنا العربية من حولها، مثالية، فهي ليست كذلك في أي دولة عربية، أو حتى غير عربية، ولكني أستطيع أن أقول إن لدينا بدايات موفقة فيها، وإن هذه البدايات في حاجة إلى البناء عليها، وإن على المجلس الدولي لحقوق الإنسان أن يساعدنا في هذا البناء، بدلاً من استدراجنا في مرات كثيرة إلى معارك كلامية، أو إلى أمور جانبية، ليست من حقوق الإنسان الأساسية في شيء!