فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

كلمات من ولي العهد إلى العالم

لم أرَ قط السعودية بهذا الزخم الإيجابي، مثلما رأيناها بعد كلمة الأمير محمد بن سلمان في منتدى الاستثمار؛ الهجوم المنظّم على السعودية طوال عشرين يوماً لم يفتّ في عضد المجتمع الملتفّ حول أمير المستقبل محمد بن سلمان، الذي أسر العقول بقوله وفصاحته وطيب بيانه، واستحضاره لمستقبل المنطقة والشرق الأوسط، وإلمامه باقتصادات العالم.
ميزانية واعدة، تطوّر مضاعف لاقتصادات تستغني تدريجياً عن النفط، وعد بإنقاص نسبة البطالة بالسعودية، كل ذلك طرحه الأمير محمد بدقائق وباختصار مذهل، وسط حفاوة كبرى من السعوديين عبر كل المنصات، بل ونزل الناس في الشوارع يحتفلون بهذه القوة الجبارة. لقد هزمت الأصوات المناوئة للسعودية والحال، كما قال المتنبي:
وكنتُ إذا أصابتني سهامٌ
تكسّرت النصالُ على النصالِ
تحدَّث عن الرؤية؛ فهي ماضية بطريقها، وبالتزامن ثمة حرب على التطرف، وعلى الإرهاب، وإصلاح بالداخل، ومقاومة للفساد، وملاحقة للمجرمين المتورطين في قضية جمال خاشقجي، هي خُطَط متكاملة يقودها شخص آمَن به مجتمعه، والدفاع عن الأمير هو دفاع عن المستقبل. والأصوات المناوئة للسعودية في الخارج ببساطة لا تريد وجود دولة متكاملة اقتصادياً، معتدلة دينياً، متطوّرة اجتماعياً، بل ترغب في سعوديةٍ جامدة هامدة، لا خطة لها ولا طريقة، ولنا في الدول العربية الأخرى درس؛ فلا ديمقراطية بُنِيت، ولا جمهورية بقيت، بل تم الهدم السهل، وسط عجزٍ كامل عن البناء، وهو الطريق الوعر.
يشير الأمير إلى الخليج مع الأردن ومصر، بوصفها دولاً لديها نمو اقتصادي مهمّ، ضمن مشاريع حيوية، والسعودية تتمنى حتى لخصومها المنافسة، كما أشار إلى أن «قطر التي لديها اقتصاد قوي، وتستطيع أن تنافس رغم اختلافنا معها»، والسبب بتحديد الخليج ليس لقوته الاقتصادية المتينة، ولكن لمستوى الأمن والرفاه المتحقق، إذ دخلت المنطقة منذ قرن من الزمان بفوضى الآيديولوجيات، أو ما يسميه الصديق الأستاذ عبد الله بن بجاد العتيبي بـ«استقرار الفوضى»، وهذا المناخ فضاء طبيعي لنمو كل الأصوليات والآيديولوجيات القومية، واليسارية، ومَن يشجعون على استقرار الفوضى نراهم الآن على القنوات الفضائية المتخلفة، ومعظمهم يقضون كل يومهم للحديث عن السعودية، بينما بلدانهم ترزح تحت ديون مليارية، أو فوضى داخلية، أو تناحر عرقي وعنصري وقبلي.
ثم إن تخصيص النموذج الإماراتي بالثناء، فذلك لسبقه ولرفعه السقف، كما هي عبارة الأمير، فالنموذج ممثلاً بدبي وأبوظبي صار علامةً فارقةً في التواؤم بين النمو العمراني مع الاقتصادي والمعرفي بخطوطٍ متوازيةٍ وبنجاح منقطع النظير في المنطقة، بل يُشار إليه بالبنان على مستوى عالمي، وقدَّم الشيخ محمد بن راشد دبي جوهرةً لامعةً، وسط فوضى من الخراب والدمار، ورفع مستوى «جودة الحياة» لتتقدم في سلم الإحصائيات بين مدن العالم، وللإمارات شرف المبادرة منذ التسعينات ببناء مدينة متكاملة ضمن الطراز الحداثي وبطريقةٍ شجاعة، وسط انتقاداتٍ حادة قدمها مفكرون من اليسار العربي، تحديداً باتهام دبي بالمبنى غفلاً عن المعنى، وهذا اتهام باطل.
المفكر الأميركي والي نصر له كتاب بعنوان «صعود قوى الثروة»، وفي فصلٍ بعنوان «العالم على طريقة دبي» كتب: «وعلى الرغم من الأبنية الفخمة الشاهقة ونمط الحياة الباذخ، فإن دبي مدينة إسلامية حقاً... وتفرض عدم خروج الملابس عن حد الحشمة، والمساجد تملأ أحياء المدينة الكثيرة، وصوت الأذان يصدح في أوقاته... دبي غيَّرت الخريطة الذهنية». هذه جملة من مفكرٍ أميركي محايد توضح أن التطور المدني ومواكبة الحداثة واتباع النماذج الغربية الناجحة لا تعني الخروج من ربقة الدين أو المروق من تقاليد الإسلام.
الأمير محمد أشار إلى أن هذا هو السقف، وباب المنافسة مفتوح، والسعودية الجديدة قادرة على تجاوز ومنافسة المدن الناجحة الأخرى سواء دبي أو سنغافورة، لدينا مشروع «نيوم»؛ منطقة بكر، ومدينة تخطط لمواكبة العصر بكل المستويات، وأبرزها المجال التقني، ولذلك فإن أمير المستقبل محمد بن سلمان منح شعبه طاقةً إيجابيةً خلابة، شعبه «الجبار والعظيم»، كما وصفه، وشبَّهه أيضاً بـ«جبل طويق»، هذا تعليق من شخصٍ فرح ومبتهج بخطط واعدة اقتصادية وتعليمية وسياسية وثقافية.
«هذه حربي سأخوضها»، يقول الأمير بكل شجاعة، ونحن معه، أما بخصوص الهجمات بأنواعها فجوابها بالآية الكريمة: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ».