مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الصفر المربّع

جمعتني الصدفة يوماً في أحد المجالس، مع أستاذ لغة عربية متقاعد، وما صدق على الله أن يراني، حتى «نشب بحلقي»؛ لأنه قال لي من دون مقدمات: الله جابك، فقد قرأت لك بعض المقالات ولي ملاحظات كثيرة عليها، فأنت غير ملمّ كما يجب بالقواعد، رددت عليه: هذا صحيح، ثم قال: وتدخل بعض الكلمات الدارجة التي لا يمت بعضها بصلة للغة الفصيحة، رددت عليه: وهذا أيضاً صحيح، ثم قال: وأنت فوق ذلك تدعي أنك تعرف ما لا يعرفه الآخرون، رددت عليه سريعاً: اسمح لي في هذه أن أقول لك إنك كذوب؛ لأنني من أشجع الناس على الاعتراف بجهلي.
وصمت قليلاً، ثم قال وهو يشير للحضور: أريد أن أطرح عليك أمامهم بعض الأسئلة لتجيبني عنها، رددت عليه: هل أعادك الحنين والشوق إلى مهنتك، وأردت أن تهز عصاك على شخصي الضعيف؟!
ضحك وهو يقول: لا، لكن لنختبر أنفسنا ونقطّع الوقت بما هو مفيد، ونط أحد الحضور «الملاقيف» يؤيده نكاية بي بقصد إحراجي.
وها هي أسئلة الأستاذ وإجاباتي:
ما هو الدهر الأصم؟! أجبته: هو المنصرم، قال: غلط، إنه الداهية الشديدة.
من هو الرجل خفيف الظهر؟! أجبته: هو الفقير، قال: غلط، إنه قليل الأولاد.
ما هو المطر الهزيم؟! أجبته: هو الهتان، قال: غلط، إنه المندفع المصحوب بالرعد.
من هو الشيخ النهبل؟! أجبته: هو المهبول، قال: غلط، هو الثقيل الأعرج.
ما هي السماء الغبطى؟! أجبته: هي الصافية، قال: غلط، إنها السماء الملبدة بالغيوم.
ما هو الأنف الأحجن؟! أجبته: هو الأفطس، قال: غلط، هو المعقوف كمنقار الصقر.
من هي المرأة العبلة؟! أجبته: هي الرشيقة، قال: غلط، إنها الضخمة الجثة.
من هو الرجل المسحوت الجوف؟! أجبته: هو المفلّس، قال: غلط، إنه الرجل الذي لا يشبع.
ما هي الناقة المسجام؟! أجبته: هي الحرون، قال: غلط، إنها الكثيرة اللبن.
من هو المحارب الأشوص؟! أجبته: هو أحول العينين، قال: غلط، إنه الشجاع المرفوع الرأس.
ما هو الكلام النسيف؟! أجبته: هو الكلام السخيف، قال: غلط، إنه الكلام الخفي.
من هو الرجل الأجرد؟! أجبته: هو «الأملط» الذي ليس عليه ثياب، قال: غلط، إنه الذي لا شعر على جسده.
ومن حسن حظي أن مضيفنا قد عتقني عندما قال: تفضلوا على العشاء.
وخرجت تلك الليلة من ذلك الامتحان وأنا أحمل «الصفر المربّع».
وفوجئت قبل يومين بذلك الأستاذ يبعث لي «واتساب»، وفيه تسجيل كامل للحوار الذي دار بيننا، وها أنا ذا أنقله لكم بحذافيره.