مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الإهانات الخفيفة «الزريفة»

ليس هناك أحقر وأسوأ من الإهانة.
وقد قال الشاعر الشعبي:
يصعب على الرجّال كسر اعتباره
وأهم من ذلك في عرفي هو «كسر اعتبار المرأة لا الرجل».
فأنا على أتمّ الاستعداد لأن أكسر اعتبار ألف رجل، ولا أكسر أصغر ظفر لأي امرأة، ولكن لا بد أن أستدرك لكي أكون صادقاً وأقول إنه ليست كل امرأة تستأهل ذلك، ولكن المميَّزات منهن تحديداً (شكلاً وموضوعاً)، أما بعض النساء فهن والعياذ بالله لا يستحققن كسر اعتبارهن فقط ولكنهن يستحققن فوق ذلك كسر أعمدة ظهورهن الفقريّة، ابتداءً من الرقبة حتى طرف العصعوص.
الإهانات التي واجهتني في حياتي ليست - ولله الحمد - كثيرة، وقد رددت بعضها الصاع صاعين، وتعاملت مع بعضها الآخر بلين ولطافة، على مبدأ «من أجل عين تكرم مدينة»، غير أنني أتذكر منها جيداً إهانتين ما زالتا راسختين في ذهني، وكلتاهما تتعلق بمجال الكتابة، التي هي سلوتي وعذابي.
الأولى، عندما أرسلت أولى محاولاتي الكتابية إلى إحدى الصحف. وكنت وقتها في المرحلة الثانوية. ولم تُنشر تلك المحاولة، ولكن رد عليّ المحرر في بريد القراء قائلاً بسخرية وبالحرف الواحد: «إن مقالك مليء بالجيد غير الجديد، والجديد غير الجيد».
وبعد أن قرأت ذلك التعليق انقطعت عن الكتابة عدّة سنوات.
أما الإهانة الأخرى التي ما زلت أتذكرها، فقد حصلت لي قبل عدّة أشهر، وذلك عندما زرت شخصية بارزة في جناحه الفخم في أحد الفنادق... فقال لي: «إنني منذ رأيت صورتك على رأس مقالك بالأمس حتى اهتززت ضحكاً ورميت الجريدة جانباً، على أمل أن أقرأه في ما بعد، غير أن خادمي وضع الجريدة في صندوق الزبالة، ولم أُرد أن أخرجها منه لكي لا تتسخ يدي»، فقلت له: «كثر خيرك، وسلمت يدك من الأوساخ».
أما ملك الإهانات بلا منازع فهو من دون شك الزعيم البريطاني ونستون تشرشل -ولكنه كان يهين بأدب. وأحلى إهانة كانت موجّهة إلى النساء، مثل رده على الليدي أستور عندما قالت له: «لو كنت زوجي يا ونستون لوضعت السم في القهوة»، فقال لها: «لو كنت زوجك يا سيدتي لشربتها سريعاً».
وأحلى من هذه عندما هاجمته النائبة بيس برادوك في مجلس العموم قائلة: «أنت سكران يا ونستون»، فردّ عليها سريعاً قائلاً: «وأنتِ قبيحة يا بيس، وأنا سوف أصحو من سكري غداً، أما أنتِ...».
والآن أنهي مقالي هذا لأبحث عن واحدة - سواء كانت إنسيّة أم جنيّة - لكي أتبادل معها بعض الإهانات الخفيفة «الزريفة»، أي الظريفة.