فاي فلام
TT

كوكبنا تفتك به الحرارة

ما أكثر ما يثير الفزع بخصوص التغيرات المناخية؟
في الواقع، المصطلح ذاته ليس مفزعاً - على الأقل ليس على النحو الذي يثير قشعريرة بالجلد. وأظهر علماء أن الدرجتين اللتين من المحتمل زيادتهما في حرارة الأرض ستخلّفان تداعيات شديدة الخطورة، لكن كما تعلمون جميعاً فإن كلمة «درجتين» أبعد ما تكون عن الكوابيس وأفلام الرعب.
إذن، ماذا عن حدوث زيادة جنونية في أعداد الفئران؟
مثل البشر، تعد الفئران من الكائنات التي تتميز بقدر كبير من الجَلَد، وقد نجحنا كبشر في التكيف مع جميع صور المناخ. وعليه، فإنه ربما يميل البعض نحو فكرة تجاهل الاهتمام بارتفاع درجات حرارة الأرض بمقدار درجتين. بالنسبة إلى الأميركيين الذين يستخدمون الدرجات الفهرنهايت، فإن درجتين سيليزية تعنيان 3.6 درجة فهرنهايت. لم يساورك الخوف بعد؟ لا بأس.
في الواقع، الكثير من الكائنات الحية تتميز بالحساسية إزاء التغييرات الصغيرة في درجات الحرارة، وبالتالي فإن ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين سيليزية من شأنه إحداث تحول في حيوانات ونباتات البيئة المحيطة على نحو بالغ. وثمة صور أخرى للحياة تتسم بالحساسية الشديدة إزاء الرطوبة، وبالتالي فإن أعدادها إما ستنحسر بصورة بالغة وإما ستشهد زيادة جنونية مع استمرار التغيرات المناخية في جعل المناطق الرطبة أكثر تشبعاً بالماء، والمناطق الجافة أكثر جفافاً.
ورغم أن انقراض بعض الكائنات ربما يثير شعوراً بالمأساة، فإن التكاثر الجنوني لمخلوقات أخرى وحدوث موجات من الأوبئة هو الذي يخلق حالة من الرعب الحقيقي. وفي تصريحات للعديد من وسائل الإعلام، أوضح الخبير المعنيّ بعالم الفئران بوبي كوريغان، من جامعة كورنيل، أن فترة الحمل لدى الفئران تبلغ 14 يوماً. وبمقدور المواليد الجدد التكاثر بعد شهر. ويعني ذلك أنه في غضون عام، من الممكن أن تنجب فأرة واحدة حامل ما بين 15 ألفاً و18 ألف فأر جديد. وسوف تستمر فصول الشتاء الدافئة في تعزيز معدلات الخصوبة لدى الفئران. وبالفعل، بدأ سكان مناطق حضرية مثل نيويورك وبوسطن في ملاحظة ارتفاع أعداد الفئران، ليس فقط في الأزقة الضيقة في قلب المدينة، وإنما كذلك داخل الضواحي الفاخرة.
ويشكّل الفئران مجرد البداية، ذلك أن علماء بيولوجيين يقدّرون أنه مع الارتفاع المتوقع في درجات حرارة الأرض بمقدار درجتين سيليزية، من المحتمل حدوث ارتفاع هائل في أعداد الحشرات التي تلتهم المحاصيل، ما يؤدي إلى تقليص حجم المحاصيل بنسبة تتراوح بين 25 في المائة و30 في المائة. وثمة سيناريوهات مرعبة مشابهة تتعلق بالبحر، ذلك أن علماء بيولوجيين اكتشفوا حدوث زيادة هائلة في أعداد قنافذ البحر بدأت تؤثر بالفعل في كائنات أخرى داخل غابات أعشاب المحيط الهادئ. والمؤكد أن ثمة ما يثير القلق إزاء هيمنة كائن حي واحد على ما كان من قبل منظومة بيئية متنوعة.
من ناحية أخرى، اتهم علماء نفس أصحاب التوجهات المحافظة في السنوات الأخيرة بأنهم أكثر خوفاً من الليبراليين. إلا أن هذا الاتهام لا يتماشى مع حقيقة أن المحافظين يعربون عن خوف أقل تجاه المشكلات البيئية. وقد شرع بعض علماء الاجتماع أخيراً في دراسة علاقة الميول السياسية بالخوف، وأوضحوا أن الأشخاص المختلفين يخافون من أشياء مختلفة تبعاً لأسلوب تنشئتهم وتعليمهم والبيئة المحيطة بهم، لكن تبقى الحقيقة أننا جميعاً نتشارك في هذا الكوكب الذي يزداد دفئاً يوماً بعد آخر، وأقل ما يمكننا فعله بالتأكيد هو توحيد صفوفنا في مواجهة مستقبل يعجّ بالفئران.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»