إيلي ليك
TT

عقوبات ترمب المصرفية ستصيب إيران في موضع الألم

بدت حملة الضغط المهولة التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على إيران الشهر الماضي وكأن بها ثغرة ما.
فالعقوبات التي فرضت على إيران في السابق على قطاعات المصارف وصادرات النفط والسفن والموانئ، والتي رفعت جميعاً عام 2015، بمقتضى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترمب في مايو (أيار) الماضي، ستفرض مجدداً بدءاً من غد (الاثنين). لكن يظل من غير الواضح حتى الجمعة الماضية ما إذا كانت تلك المصارف سيسمح لها بالمشاركة في «شبكة الاتصالات الدولية بين مصارف العالم»، التي يطلق عليها اختصاراً «سويفت»، والتي تسمح لبنوك العالم بالتواصل بعضها مع بعض لإتمام التحويلات المصرفية الدولية.
لكن وزير الخزانة الأميركي، ستيف منشن، وضع حداً لتلك الإثارة خلال مكالمة جرت عبر الكونفرنس، بقوله: «لقد نصحنا شبكة (سويفت) بأن عليها قطع التواصل مع أي مؤسسة مالية إيرانية نقوم بتسميتها، بمجرد أن يصبح ذلك متاحاً تكنولوجياً».
لكن قضية «سويفت» ليست بالهينة، لأن عزل إيران عن تلك الشبكة من شأنه أن يضاعف من أزمتها المالية. وحتى إن غامرت بعض الشركات بتعريض نفسها للانفصال كلياً عن منظومة الاقتصاد الأميركي بشرائها للنفط الإيراني، سيكون من المستحيل تقريباً لإيران تسلم الثمن، إن لم تكن مصارفها ضمن منظومة «سويفت».
ولذلك لم تكن مفاجأة أن «سويفت» كانت في قلب المعركة السياسية داخل إدارة ترمب، وفي الكونغرس. على أحد جانبي المعركة، تقف وزارتا الخزانة والخارجية، فقد شعرت الوزارتان بقلق من أن قطع الصلة نهائياً مع «سويفت» من شأنه أن يوتر الأجواء مع الحلفاء في أوروبا الذين سعوا للإبقاء على إيران داخل الاتفاق النووي، بالإضافة إلى روسيا والصين. وعلى الجانب الآخر، يقف مستشار الأمن القومي جون بولتون، والصقور في الكونغرس الذين شعروا بالقلق من أن دخول إيران إلى «سويفت» سيكون بمثابة الإبقاء على شريان الحياة الذي سيضعف من تأثير العقوبات، ويجعل إيران تطيق مرارة الانتظار إلى أن تأتي إدارة أميركية جديدة إلى السلطة. ولهذا فقد ناقشت مسؤولة السياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبي، فريدريكا موغريني، خطط صياغة سياسة تدرأ عن أوروبا مخاوف العقوبات الأميركية.
وفي هذا الصدد، أخبرتني مصادر في الإدارة الأميركية، وفي الكونغرس، أن إعلان القرار بشأن «سويفت» قد اتخذ مساء الخميس الماضي، وقد توقع غالبية مراقبي السياسية الإيرانية أن تتراجع الإدارة الأميركية عن قرارها. وأفادت صحيفة «بوليتيكو»، مساء الخميس، بأن السيناتور عن ولاية تكساس، تيد كروز، كان بصدد إعداد تشريع لتفعيل قطع صلة إيران بشبكة «سويفت». وتمنى وزير الخزانة نفسه ألا تبدو الولايات المتحدة باعتبارها من يملي على «سويفت» قائمة بأسماء المصارف التي يتعين عليها إيقاف التعامل معها، بحسب المصادر. وقد أبلغ وزير الخزانة المراسلين الصحافيين كذلك أن الولايات المتحدة بإمكانها أيضاً فرض عقوبات على شبكة «سويفت» نفسها.
وفي النهاية، جاء قرار «سويفت» كحل وسط، فقد أفاد وزير الخزانة الأميركية بأن بعض المؤسسات المالية الإيرانية التي لم تخضع للعقوبات بإمكانها البقاء ضمن منظومة «سويفت»، لكن لعمل تحويلات تتعلق بالطعام والدواء فقط.
وفي السياق ذاته، قال ريتشارد غولدبرغ، العضو الجمهوري السابق بمجلس الشيوخ، الذي شارك في صياغة العقوبات على إيران في الحقبة الأولى من عام 2000، إنه «من الأفضل لو أننا قطعنا الاتصال بين جميع المؤسسات المالية الإيرانية وشبكة (سويفت)... لكن هذا أفضل كثيراً من السماح لجميع المصارف الإيرانية بالبقاء ضمن شبكة (سويفت)».
وأخبرني غولدبرغ كذلك أنه على وزارة الخزانة النظر إلى البعد الإنساني الذي ستتسبب فيه قطيعة «سويفت». ففي واحدة من أكبر محاولات التملص من العقوبات الدولية في التاريخ، قام بنك تركي بتسريب مبلغ 100 مليار دولار، بحسب بعض التقديرات، إلى خزائن إيران عامي 2013 و2014، تحت غطاء مساعدات إنسانية.
وقد أخبرني مارك دبوتيز، كبير المسؤولين التنفيذيين بمؤسسة «الدفاع عن الديمقراطية»، الذي يعد المحفز الأكبر لنقاشات العقوبات الأميركية الأخيرة على إيران خلال العقد الأخير، بأنه سعد كثيراً بالإعلان الخاص بـ«سويفت». وقال إنها وجهت ضربة نفسية ومادية للنظام الإيراني، لأن العزلة عن النظام المالي العالمي سيجعل هذا النظام أكثر سمية للمستثمرين ولشعبه، لكنه أفاد بأنه يؤيد الاستثناء في التحويلات النقدية. وفي هذا الصدد، قال: «أتوقع أن يستخدم وزير الخارجية بومبيو القناة الإنسانية بشكل مؤثر، بأن يضع النظام الإيراني في خانة المدافع عن الطعام والدواء».
الكرة باتت الآن في ملعب إيران. فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، لم يتوقف قادتها عن التلويح بمعاودة إنتاج الوقود النووي الذي توقف عقب توقيع الاتفاق عام 2016.
وسنرى قريباً إذا ما كان الطرد من منظومة «سويفت» سيجعل النظام الإيراني يسير في الاتجاه ذاته.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»