سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

أما إيران... فالولايات المتحدة كفيلة بها!

ما كادت أيام معدودة على أصابع اليدين تمضي، على اللقاء المفاجئ بين سلطان عُمان، قابوس بن سعيد، وبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، في العاصمة العُمانية مسقط، حتى استيقظت المنطقة على زيارة مفاجئة أيضاً، ولكنها على مستوى أقل من الأولى!... الزيارة الثانية قام بها إلى العاصمة العمانية، يسرائيل كاتس، وزير المواصلات والمخابرات الإسرائيلي، مشاركاً في أعمال مؤتمر دولي للنقل والمواصلات الدولية كان منعقداً هناك، ومُصرحاً بأنه ينوي خلال الزيارة طرح مشروع سماه: السلام الاقتصادي الإقليمي!
أما نتنياهو فكان قد وصل إلى مسقط، مساء الخميس قبل الماضي، برفقة زوجته سارة، حيث أمضيا ليلة كاملة عادا بعدها إلى تل أبيب... ورغم عنصر المفاجأة الكاملة في الزيارة، فإن تصريحات رئيس الوزراء عقب انتهائها، أشارت إلى أن الاستعداد لها بدأ مبكراً، وأن التجهيز للرحلة بدأ منذ يوليو (تموز) الماضي، وأنها لن تكون الأخيرة عربياً، وأن رئيس المخابرات الإسرائيلي يوسي كوهين، كان قد زار عدة عواصم لتهيئة الأجواء أمامها، وأن واشنطن كانت من بين هذه العواصم!
وكان السؤال الذي تردد، ولا يزال، هو عن الهدف من الزيارة، وعما جرت مناقشته من قضايا، خلال ثماني ساعات من المباحثات، بين السلطان ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بحضور مسؤولين آخرين من الجانبين، ثم بينهما على انفراد دون حضور أحد معهما!
وكانت المعلومات التي خرجت للإعلام من مسقط، قد قالت إن الهدف من إتمام الزيارة على المستوى العماني، هو رغبة عمان، ليس في القيام بدور وساطة بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين، وإنما الهدف رغبتها في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، لعل مفاوضات السلام التي توقفت بينهما منذ أربع سنوات، تعود فتنطلق مرة أخرى إلى غايتها من جديد!
وما يؤيد هذه الرواية أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كان قد زار السلطنة قبلها بيومين، ثم زاره مسؤولان عمانيان في رام الله بعدها، كان أحدهما يوسف بن علوي، وزير الشؤون الخارجية العماني، وكلاهما نقل رسالة من السلطان، وأن الرسالة في الحالتين كانت ضمن عملية تقريب وجهات النظر، التي جرى الحديث عنها منذ البداية، باعتبارها هدف إتمام الزيارة الأول على المستوى العماني بالذات!
ولكن رواية إسرائيلية جرى تسريبها في تل أبيب، عما جرت مناقشته أثناء الزيارة، تجعل الكلام عن أن القضية الفلسطينية كانت في مقدمة أهدافها، أو حتى من بين أهدافها، على المستوى الإسرائيلي تحديداً، مسألة محل نظر... فمما قيل عن الزيارة، إسرائيلياً، إن سلطان عُمان كان يتحدث عن قضية فلسطين مع رئيس وزراء إسرائيل، وإن الأخير كان يرد من ناحيته، فيتكلم في اتجاه العلاقات الثنائية بين البلدين، ثم في المسألة الإيرانية!... فهل يعني هذا أن الاهتمام الإسرائيلي بجدوى الزيارة في اتجاه تقريب وجهات النظر مع رام الله، لم يكن يشغل بال بنيامين نتنياهو على مدى ساعات اللقاء؟!
هذا سؤال حائر كان ولا يزال يبحث عن إجابة، منذ انعقد اللقاء على مستوى القمة بين البلدين، ثم ازداد السؤال بحثاً عن إجابته، فيما بعد زيارة وزير المواصلات والمخابرات، الذي كان خلال مشاركته، ثم عبر تصريحه، يأخذ الأمور في اتجاه مغاير!
ورغم أنه لا علاقة ظاهرة أمام العين، بين زيارة رئيس وزراء إسرائيل وزيارة وزير المواصلات والمخابرات في حكومته، فإن حديث الوزير قبل بدء زيارته، عن أن «تعزير المحور الذي يتجاوز إيران» من بين أهدافها، يجعل خيطاً يمتد من وراء ستار ليربط بين الزيارتين، فإذا تذكرنا أن المسألة الإيرانية كانت شاغلة لنتنياهو، أثناء المباحثات مع السلطان، اتضحت عندئذ الصلة الممتدة على نحو غير مباشر، بين الجولة على مستوى رئيس الوزراء، وبين الجولة على مستوى الوزير!
ومن حق تل أبيب بطبيعة الحال أن ترتب أولوياتها الخارجية كما تراها، غير أن عليها أن تنشغل بما كان يشغل سلطان عمان في أثناء اللقاء مع نتنياهو، وقبل اللقاء، وبعده كذلك، لأن قفزها فوق قضية فلسطين، لن يصل بها في النهاية إلى شيء، أولاً، ولأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب قادرة على أن تتكفل وحدها بملف إيران، ثانياً، وليست في حاجة إلى مساعدة إسرائيلية فيه... فالرئيس ترمب يعرف منذ جاء إلى البيت الأبيض، يناير (كانون الثاني) قبل الماضي، كيف يتعامل مع حكومة الملالي في إيران، وكيف يصحح ما يراه خطأ وقعت فيه إدارة الرئيس أوباما السابقة عليه، وهي تتعامل مع الحكومة نفسها!
ففي الخامس من هذا الشهر، بدأت الموجة الأقصى والأقسى من عملية فرض العقوبات الأميركية على إيران، في مجالي البنوك والنفط، وأعلن مايك بومبيو، وزير خارجية الولايات المتحدة، أن أمام طهران 12 شرطاً، إذا أرادت وقف تنفيذ العقوبات، وأن استفادة ثماني دول من استثناءات في استيراد النفط من إيران، مسألة مؤقتة، ومستمرة لأسابيع فقط، وأن دولتين من الدول الثماني، سوف تتوقفان كلياً عن استيراد النفط الإيراني، تنفيذاً للعقوبات، وأن الدول الست الباقية سوف تتوقف لاحقاً، وأن الهدف في النهاية هو تصفير مبيعات النفط الإيرانية، إذا لم تستجب إيران، وإذا لم تلتزم في علاقاتها مع جيرانها، وإذا لم تعرف أن لسياساتها المخربة في الإقليم من حولها ثمناً عليها أن تدفعه!
وقد كانت عقوبات أميركا المتدرجة مع طهران، مؤلمة بما يكفي، وكانت اتصالات جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، مع أطراف دولية، وبالذات أوروبية، قبل الموجة الأقصى الأخيرة، أبلغ دليل... فلقد سارع إلى الاتصال بوزراء خارجية السويد، والدنمارك، وألمانيا، ثم بمسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديركا موغيريني، التي وعدته من جانبها بتشغيل الآلية المالية الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، خلال الأيام القليلة المقبلة!
صحيح أن لإسرائيل مشكلة كبيرة مع إيران، وصحيح أنها لا تتوقف عن الحديث عن هذه المشكلة، ولا عن أبعادها، ومآلاتها، وتداعياتها، وصحيح أن البرنامج النووي الإيراني المؤجل لا يزال يمثل هاجساً قوياً لدي الحكومة في تل أبيب... صحيح هذا كله... ولكن الأصح منه أن هاجس القضية الفلسطينية لديها يجب أن يكون أقوى، لأن بقاءها بغير حل، هو إبقاء للتوتر في المنطقة كلها، وهو توزيع للإحباط بالعدل على كل عربي، وهو فقدان للأمل لدى كل فلسطيني!
وليست إسرائيل في حاجة إلى شيء، قدر حاجتها إلى تقديم أمارة على أن مسألة قيام دولة فلسطينية، هي من بين هواجسها الموازية للهاجس الإيراني، ومن بين شواغلها التي تفتش لها عن طريق ينتهي السير فيه بحل الدولتين، الذي لا حل آخر سواه، ولا مسار إلى استقرار في منطقتنا عداه!