طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

بين الشاشتين «رايح جاي»

عدد كبير من النجوم الذين تعوّد الجمهور على لقائهم في كل رمضان عبر الشاشة الصغيرة، لن يجدهم في رمضان المقبل. تغيير حاسم وجذري حدث عبر شاشات الفضائيات مع إعادة الهيكلة وزيادة الخسائر، فأصبح الأمر الذي فرض نفسه على الجميع هو بيع القنوات لكيانات اقتصادية أكبر، وإعادة النظر في الأجور، مع الأخذ في الاعتبار أن «كعكة» الإعلانات تناقصت، فأصبحت كلها عوامل تلعب دوراً سلبياً، سواء على كم الإنتاج الدرامي المتوقع، وأيضاً على سقف الأجور والميزانيات المتاحة.
بعض المشروعات الدرامية توقفت في اللحظات الأخيرة، وبات على النجوم الذين ارتبطوا بتلك المسلسلات التوجه فوراً للشاشة الكبيرة.
أغلب نجومنا في الألفية الثالثة تقلص حضورهم السينمائي، لأن التلفزيون يسمح لهم بتحقيق الانتشار، وقبل ذلك الحصول على الأجور المرتفعة بالقياس لما كانت تمنحه لهم السينما. هؤلاء سيعاودون الهجرة للشاشة الكبيرة.
عادل إمام دائماً هو الاستثناء، فهو باقٍ للعام المقبل على الشاشة الصغيرة. عادل يخضع لقانون «العرض والطلب» نفسه الذي لا يزال يلعب لصالحه. فهو عربياً الورقة المضمونة في تحقيق الربح، رغم أن أجره صار يربو على المليوني دولار، متجاوزاً كل النجوم من كل الأجيال.
عادل ابتعد حتى الآن 8 سنوات قابلة للزيادة عن السينما، وهو العدد نفسه من السنوات تقريباً التي شهدت حضوره كل عام على الشاشة الصغيرة منذ عام 2012 مع «فرقة ناجي عطا الله» كان من المفترض أن يصبح «ناجي عطا الله» فيلماً سينمائياً، ولكن عادل وجد أن ثمن بقائه على الشاشة الكبيرة هو أن يخفض أجره للنصف بينما الدراما التلفزيونية من الممكن أن تضمن له تحقيق ضعف الأجر. وساعتان هما زمن الفيلم السينمائي أصبحا بعد المط والتطويل 20 ساعة تلفزيونية، وتبعه عدد من نجوم الصف الأول مثل كريم وعز والسقا.
من الذي يضبط الإيقاع؟ العرض والطلب هو الذي يحدد الطريق أمام الجميع. إنه «الترمومتر»، وبناء على ارتفاعه أو انخفاضه الزئبقي يقرر النجم أي الشاشتين يختار؟
هل تستطيع أي جهة أن تفرض الحد الأقصى للأجور؟ إطلاقا، ولكن في العالم كله هناك نسبة تحصل عليها النقابات من أصحاب الأجور المرتفعة لصالح الصندوق، لمد يد العون لمن لم يعد السوق يطلبهم، كما أن النقابات تضع فقط الحد الأدنى حتى لا يتم استغلال احتياج فنان أو فني للعمل فيتم تخفيض أجره.
هناك نجوم كانوا سيغيبون في كل الأحوال عن رمضان بعد أن لفظتهم الشاشة الصغيرة، وهؤلاء لن يجدوا أي أحضان دافئة تنتظرهم من السينما.
السينما كسوق لن تستطيع استقبال كل المهاجرين إليها، كما أن شباك التذاكر سيفرض نفسه على الجميع. ولا أستبعد والحال كذلك أن يتم تطبيق قانون نسبة من الإيراد؛ أي أن نجم العمل الفني الذي سيتصدر اسمه «الأفيش» و«التترات»، سيحصل على أجره من الشباك، وعلى قدر تحقيقه لبيع التذاكر.
سوف تعاني الشاشة الكبيرة لا محالة من زيادة التوجه صوب الأعمال التجارية. المنتج عادة عندما يبدأ في التفاوض مع النجم على أجره، يُطيل النظر أولاً إلى آخر إيراد حققه، ولهذا فأنا أتوقع «تسونامي» نحو زيادة معدلات الأفلام التجارية، وإلا سيجد النجم نفسه مضطراً ليشد الرحال مجدداً موجهاً الشراع نحو الشاشة الصغيرة!.