فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

الثوابت السعودية في الكلمة الملكية

رسمت الكلمة الملكية التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في مجلس الشورى ملامح السياسة الداخلية والخارجية، واشتملت الكلمة التي ألقيت بمناسبة افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السابعة لمجلس الشورى على محاور أساسية منها ما هو سياسي والآخر عدلي، والثالث داخلي تنموي، وهذه الأسس لا يغلب بعضها بعضاً، وإنما تسير بالتساوي والتوازي، وآية ذلك أن السعودية ومنذ البدء بتنفيذ مضمون الرؤية، وخطط التحول بقيت تمارس أدوارها بالوساطات السياسية، والأعمال الكبرى ضمن الأحلاف الدولية لسحق التطرف والإرهاب، والمؤتمرات الكبرى في الداخل كما في مؤتمر الاستثمار الذي عقد مؤخراً في السعودية، ومن قبلها القمة الإسلامية الأميركية بحضور أكثر من خمسين دولة، وعليه فإن محاور كلمة الملك لا بد من الإضاءة عليها لتثبيت أسسها وفحواها.
أكد الملك التمسك بقيم الشريعة، والتأكيد على مبادئ الوسطية والتسامح، وكذلك نشر «منهج الاعتدال»، وهذه رسالة للمؤسسات الدينية، وبما فيها المعنية بالشؤون الإسلامية والمساجد، والمنسوبين إليها عليهم الأخذ بهذه التوجيهات، بوصفها أسساً يجب الارتكاز عليها فيما يطرحونه على المنابر، وخلاصتها أن التمسك بالشريعة أمر مفروغ منه، ولذا يجب تدعيمه بأسسها ومن ذلك الوسطية، والتسامح، والاعتدال، ضمن الخطاب الشرعي المطروح، وأشار الخطاب الملكي إلى استمرارية الحرب على التطرف، وهذا أمر ضروري لمن يظنّون أن لهذه الحرب تاريخاً أو نهاية، بل إنها حرب أزلية حتى يتم اجتثاث التطرف من جذوره.
على المستوى الداخلي، فإن الإنسان السعودي هو محور التنمية، ويشمل ذلك الشبان والشابات، والمرأة شريك في هذه التنمية صنو الرجل، بل تتمتع بـ«حقوق كاملة» كما تفضل الملك، ثم الإشارة التي تضمنتها الكلمة الملكية «ستستمر الحكومة بدعم منظومة الخدمات الاجتماعية وتقديم دعم يستهدف الفئات المحتاجة، بما يمكنهم من الإنتاج والفاعلية الاقتصادية والحصول على سبل العيش الكريم، وسندعم مؤسسات المجتمع المدني للقيام بدورها المهم والفاعل في هذا الجانب».
وهذا أمر ضروري من أجل الحفاظ على الطبقة الوسطى في المجتمع وتوسيع رقعتها، فهي رافعة أي فعل تنموي بأي دولة بالعالم وهي المعيار لقياس تطوّر أي مجتمع، كما هو حال دول اسكندنافيا، واستراليا، ونيوزلندا، واليابان، وإلى حدٍ مقارب دول أوروبا الغربية وأميركا.
على المستوى العدلي، فقد أكد الملك أهمية ما تقوم به المؤسسات القضائية، والنيابة العامة من أجل ترسيخ أسس العدالة، وهذه ركيزة عرفت بها الدولة منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز، وستستمر عليه، مع تطوّر ضروري يبدأ ويجب أن يستمر لتحديث المؤسسة القضائية وتجديد دمائها وتحديث صيغ عملها، وهذا مفيد للمؤسسات نفسها وللمجتمع أيضاً حين تكون حركة القضاء أكثر سرعةً وكفاءة.
على المستوى السياسي فإن أعمال إيران العدوانية تشكل تهديداً للعالم بأسره، ولذلك نصّ الملك في كلمته على التالي «لقد دأب النظام الإيراني منذ ما يقارب أربعة عقود على التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ورعاية ودعم قوى الإرهاب في المنطقة، وهذه الأفعال الإجرامية التي تنتهك أبسط قواعد حسن الجوار والمواثيق والأعراف الدولية تضاف إلى سجل النظام الإيراني المعروف في إثارة الفوضى والخراب في العديد من دول المنطقة، وقد آن الأوان لهذه الفوضى ولهذا الخراب أن يقفا. وعلى المجتمع الدولي العمل على وضع حد لبرنامج النظام الإيراني النووي والباليستي، ووقف نشاطاته المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وتدخلاته السافرة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى».
كما أن الخطورة تتمثل بدعمه للميليشيات الحوثية، وللجماعات المتطرفة الأخرى مثل «داعش» و«القاعدة» و«بوكو حرام» و«الحشد الشعبي» و«عصائب أهل الحق»، وعشرات المنظمات الأخرى في العراق والشام واليمن والساحل الأفريقي وشمال أفريقيا وأميركا اللاتينية.
وبخصوص الأزمة السورية، فإن المسار الذي نصت عليه الكلمة الملكية تعتبر الحل السياسي ضروري، ولا بد منه بغية هزيمة الحركات الإرهابية، ومن ثم ترسيخ الاستقرار وعودة اللاجئين إلى بلادهم.
هذه هي مسارات السياسة السعودية في الداخل والخارج، وركائزها تنموية، وعدلية، واقتصادية وسياسية، بينما دول أخرى قريبة لنسأل أنفسنا عن سياساتها الداخلية والخارجية؟! في آخر المطاف نعثر على تبذير للأموال على الجماعات والأحزاب المقاتلة كما هي سياسة إيران، وتبذير الأموال على سلاح نووي لا تحتاجه ولا قيمة له، والشعب بالداخل يئن من الفقر والوجوع وسط بدء العقوبات الصاعقة على النظام الإيراني، وهذا سيزيد الدين بلّه!
السعودية تمثل ليس البعد الديني في المنطقة، وإنما المدني والتنموي أيضاً، فلا تعارض بين المجالين.