نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

نتنياهو معلّق بين استطلاعات الرأي والصناديق

ما زال بنيامين نتنياهو رغم بعض الانتكاسات العابرة، الملك المتوج لاستطلاعات الرأي في إسرائيل.
لم تنل منه قضايا الفساد الكبرى التي إن لم تصبه مباشرة فقد أصابت زوجته وأقرب الأقربين إليه، ولم تنل منه استقالة ليبرمان وتحول نوابه إلى المعارضة، مع أنهم أحد أهم أعمدة ائتلافه الحكومي.
لقد خدش ولم يسقط، حتى لو كان مضطراً لقيادة إسرائيل بأغلبية صوت واحد، وذلك إلى حين إجراء انتخابات مبكرة خلال ستة أشهر أو في موعدها بعد سنة.
المحللون الذين تقودهم استطلاعات الرأي يرون صعوبة تصل إلى حد الاستحالة في الإطاحة بنتنياهو. فإلى جانب احتشاد ناخبي اليمين وراءه ووراء نظرائه ممن يشكلون ائتلافه الحكومي، فهنالك ما يراه مؤيدوه كعامل مكمل ولكنه فعّال وهو سحر الشخصية، إذ كثيراً ما كان يدخل نتنياهو إلى انتخابات وهو مضمون الفشل، إلا أنه في الساعات الأخيرة يجد حيلة جهنمية تملأ صناديقه بالأصوات.
ورغم هذه المعطيات التي تشجع على الاعتقاد بأن الرجل مؤهل لدورة جديدة في حكم إسرائيل، فإن الأمر لا يخلو من عوامل جدية للقلق، وأول مؤشر على ذلك شراسته في مقاومة فكرة الانتخابات المبكرة، حيث يرغب في الحصول على وقت أطول لترتيب أوراقه الانتخابية وهو في موقع القرار، حيث لا يستبعد قيامه بمغامرات مثيرة، يحتاجها لتعديل الموازين لصالحه، مثل عملية عسكرية واسعة النطاق، أو إحراز هدوء دائم على الجبهة الجنوبية، يقنع الرأي العام الإسرائيلي بأنه تحقق بسبب سياسته «الحكيمة»، أو إخلاء الخان الأحمر الذي أعلن أنه سيختار الوقت المناسب لذلك، وليس أنسب من موسم التحضير للانتخابات.
إلا أن هنالك من يتوقع انتكاسة انتخابية لظاهرة نتنياهو طويلة الأمد، ويسوّق احتمالات يراها قوية التأثير في هذا الاتجاه، أولها الملل من طول عمر احتكاره لرئاسة الحكومة، وقضائه في الوقت ذاته أوقاتاً قياسية في أقسام الشرطة للمثول أمام المحققين في قضايا الفساد. وكذلك فهنالك نسبة مهمة من صناع الرأي في إسرائيل من المثقفين والكتّاب والسياسيين من ترى أن عهد نتنياهو كان الأكثر والأعمق ضرراً لصورة إسرائيل الديمقراطية، من خلال قانون القومية والعديد من السياسات التي سبقته والتي طالت القضاء، ذلك دون إغفال احتمال تدفق العرب على صناديق الاقتراع، بحكم تضررهم جميعاً من قانون القومية الذي وضع غير اليهود في المرتبة الثانية، بما في ذلك من قدموا خدمات جليلة لدولة إسرائيل سواء كان يحكمها اليمين أو اليسار.
الفلسطينيون الذين وفق التجربة وبحكم السيطرة والاحتلال والاستيطان، يعتبرون الوضع في إسرائيل عاملاً مؤثراً في وضعهم الداخلي من كل النواحي، هم الآن كما دائماً في حالة تحسب وقلق من أي موسم انتخابي في إسرائيل؛ ذلك أن كل متطلع لتعزيز أصواته ونسبة نوابه في الكنيست يجد نفسه في حمى الانتخابات مضطراً لاتخاذ مواقف أو الوعد بقرارات تمس في الأساس الحقوق الفلسطينية.
منذ عقود قرر العرب في إسرائيل اقتحام الحياة السياسية هناك بما في ذلك الكنيست، بعد إحجام دام سنوات بفعل فتاوى دينية وقومية متعددة. أما الآن وقد انتهت المقاطعة لمصلحة الإقدام والاقتحام، فإن لدى العرب قوة تصويتية لو أحسن استخدامها لخافت جميع القوى السياسية الإسرائيلية منها، ووضعتها في الاعتبار حين الإقدام على قرارات تمس حياة ومصالح وحقوق العرب الذين اقترب عددهم من المليونين. والأمر هنا ليس بالعدد فقط بل بما هو أعمق من ذلك، فالعرب في إسرائيل موجودون بقوة وفعالية في كل نواحي الحياة على مختلف مستوياتها، ولا شك في أن الظرف مواتٍ لتجسيد هذه الفعالية بتمثيل سياسي قوي يصلح لخدمة شعارين متآلفين يرفعهما الشعب الفلسطيني: «المساواة في إسرائيل، والحل العادل الذي يفضي إلى دولة مستقلة عاصمتها القدس في فلسطين».