خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

ما صح وما بطل من القسم

جرني الحديث مع المستر ديفيد نيوتن، السفير الأميركي السابق، إلى موضوع القسم واليمين في الدين الإسلامي، ما صح منه وما لم يصح. تدخلت زوجته الفاضلة فسالتني وقالت: لماذا لا تأخذون في العراق بيمين المطيرجي (هاوٍ ومربي الطيور)، تفضل المستر نيوتن بهذا التفسير وقد خدم في العراق وعرف شعبه لمدة طويلة، فقال: هذا لأن المطيرجي لا يحترمه الشعب. فهو يربي طيوره في أبراج فوق سطوح البيوت. وبحجة الانشغال بالطيور وتربيتها يستغل وجوده فوق سطح البيت للتفرج على نساء الجيران عندما يصعدن على سطوح بيوتهن. وهو ما يفعله العراقيون في النوم صيفاً.
تأملت في ذلك فوجدته غير صحيح. فمن المعتاد للمطيرجي أن ينشغل بطيوره خلال النهار. وخلال النهار تكون المرأة العراقية منشغلة بالعراك وتبادل الشتائم مع زوجها في الحوش. ولا تصعد إلى السطح إلا بعد أن تتعب من شؤون البيت فتصعد للسطح ليلاً لتنام.
الصحيح، قلت للسيدة نيوتن، إن القضاة لا يقبلون بشهادة المطيرجي لأنه معتاد على الكذب واليمين الكاذب. يقف بين زملائه من هواة الطيور فيتفاخر بطيوره ويقول مثلاً إنه أطلق واحداً منها في بعقوبة على مسافة أربعين ميلاً، وقبل أن يعود هو لبغداد كان الطير قد سبقه ووصل للبيت قبله. ينبري الآخر فيكذبه ويقول: هذا كذب فقد كان هناك منع تجول في البلاد. فيقسم الأول بأغلظ الأيمان بصحة حكايته، ويقسم الثاني بأن الطيور العراقية تعرف ساعات منع التجول وتلتزم بها... وهكذا.
للعراقيين ولع عجيب باليمين ويتفننون به. من صيغ أيمانهم العجيبة الحلف بطلاق الزوجة؛ يقولون لك: بالطلاق لازم تيجي تتعشى معي. وزوجتي طالق إذا ما تزورني. والمسكينة زوجته جالسة في البيت وزوجها يقسم بطلاقها خمسين مرة في السوق. لا أدري ماذا يقول الفقهاء وأصحاب تحرر المرأة في مثل هذا اليمين. ولكن امرأة تضايقت من زوجها وساورتها الشكوك في أنها بحكم المطلقة بكل هذه الأيمان من زوجها. فلبست عباءتها وحرمت على زوجها الاقتراب منها حتى يحكم القاضي بينهما.
سأله القاضي عن كل هذه الأيمان فأجابه معتذراً بأنه لم يقصدها وإنما كانت أسلوبه في الكلام وعادة اعتاد عليها، وأنه يحب زوجته ولم يحلم قط بطلاقها. فكر القاضي في الأمر ثم قال للرجل: «اسمع هنا. هذا قسم لا يجوز. سأعفو عنك هذه المرة على أن تعدني بألا تعود لهذا القسم مطلقاً بعد اليوم». فأجابه الرجل فوراً: «يا حضرة القاضي اطمئن. بالطلاق بعد ما أكررها».
فضحك القاضي وقال له: اخرج من هنا يا سخيف! قسمك هذا لا يعتد به.
هذا ما يسميه القضاة في العراق بيمين الهازل الذي لا يؤخذ به. وهو أساساً حرام في حرام. وعندما نتأمل كل الأيمان التي حلف بها البعض من ساسة العراق؛ اليمين بتحرير فلسطين ومكافحة الفساد وإزالة الفقر والبطالة، دون أن يحققوا أي شيء منها، ندرك أنها كلها جاءت من باب القسم الهازل.