داود الفرحان
حاصل على بكالوريوس الصحافة من جامعة بغداد عام 1968. نائب نقيب الصحافيين العراقيين لثلاث دورات، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب. مدير «مركز المعلومات والبحوث» في وزارة الثقافة والإعلام العراقية. معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في القاهرة (1989 - 1990). كاتب عمود صحافي في الصحف العراقية منذ عام 1966، وكاتب عمود في مجلات: «المجلة» السعودية، و«الأهرام العربي»، و«الصدى» الإماراتية، و«اليمامة» السعودية، و«التضامن» اللندنية. رئيس تحرير صحف ومجلات عراقية أسبوعية عدة ومؤلف لعدد من الكتب.
TT

العقوبات على إيران تصل إلى السجاد والفستق والزعفران

لم تقتصر العقوبات الاقتصادية الأميركية ضد إيران على صادراتها النفطية الهائلة التي يتوقع أن تصل إلى درجة الصفر خلال الأشهر المقبلة، فقد تعدتها إلى السجاد والفستق والزعفران والكافيار. وتعتبر هذه المنتجات الأفضل عالمياً في السوق بين مثيلاتها، والرقم الصعب في استيرادات الولايات المتحدة منها.
وتسعى طهران إلى الالتفاف على العقوبات الأميركية بطريقتين؛ الأولى تهريب هذه المنتجات إلى الولايات المتحدة عن طريق المكسيك وكندا، والثانية استكشاف بدائل واعدة مثل روسيا والصين ودول أفريقيا الجنوبية.
السجاد من علامات النعمة والثراء في دول الخليج العربية والعراق ولبنان وتركيا. وله أسواق متخصصة في السجاد القديم والحديث، وكلما كانت السجادة قديمة ارتفع سعرها بين مثيلاتها الجديدة. وبلغ الاعتزاز والتفاخر بهذا السجاد أن فيه أنواعاً مخصصة للجدران وليس للأرضيات فقط. كما يدخل السجاد الإيراني في قسمة الإرث العائلي في العراق ودول أخرى شأنه شأن الذهب والجواهر والأموال السائلة! فهو كما يقول المثل الخليجي «زينة وخزينة».
يقال إن تاريخ السجاد الإيراني يعود إلى أربعة آلاف عام، وربما هناك مبالغة في هذا الأمر، إلا أنه يحمل في خيوطه الحريرية والصوفية تاريخاً طويلاً في بلاد فارس. وأول سجادة إيرانية قديمة عُثر عليها حتى الآن هي «بازيريك» تعود إلى عام 500 قبل الميلاد. وفي القرن الميلادي الثامن كان إقليم تبريز يدفع ضرائب سنوية إلى دار الخلافة العباسية في بغداد من بينها 600 سجادة من القطع الكبير وآلاف القطع الصغيرة المخصصة للصلاة. وأشهر أنواع السجاد هي تبريز وكاشان وأصفهان ومشهد وسنندج.
وتعدّ صناعة بهذا القدم التاريخي جزءاً أساسياً من الثقافة والفنون الفارسية، خاصة أن إيران تعتبر أكبر مُصَدّر للسجاد في العالم، وتستحوذ على أكثر من 30 في المائة من السوق العالمية. وهي تنتج نحو خمسة ملايين متر مربع سنوياً يتم تصدير 80 في المائة منها إلى الخارج، وخصوصاً الولايات المتحدة. وبلغ من اهتمام النظام الإيراني بصناعة السجاد اليدوي أنه شكل مؤخراً المجلس الأعلى للسجاد، كيف لا وهي توفر أكثر من 2.5 مليون فرصة عمل تؤمن معيشة ستة ملايين نسمة.
ذكرت فرشتة دستباك رئيسة المركز الوطني للسجاد أن إدراج هذه البضاعة ضمن قائمة الحظر الإيراني يتعارض مع البروتوكولات العالمية. وهددت بإقامة دعوى قضائية في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية لإخراج السجاد من طائلة الحظر الأميركي. الضربة موجعة فإيران كانت تُصَدّر إنتاجها إلى أكثر من 100 دولة في مقدمتها البلدان الغنية، الولايات المتحدة ودول الخليج العربي والصين وألمانيا وإيطاليا واليابان وفرنسا وبريطانيا. حاولت عبثاً الهند وباكستان وأفغانستان والنيبال وتركيا وروسيا والبرازيل منافسة إيران في صناعة السجاد. اليوم أصبحت الأسواق العالمية مفتوحة أمام هذه الدول، ومعها مصر التي تنتج سجاداً فاخراً يمكن أن يُلبي الأذواق الغربية والشرقية على حدّ سواء وبأسعار مناسبة، لكن ذلك يحتاج إلى حملة تسويق ناجحة لا تعزف على الوتر السياسي للعقوبات.
وتخشى إيران أن تستمر المقاطعة فترة طويلة تؤدي في النهاية كما قال رئيس لجنة الصادرات في غرفة طهران التجارية إلى خسارة بلاده السوق الأميركية «إلى الأبد».
أما السلع «الملكية» كما يسميها التجار، وهي الفستق والكافيار والزعفران التي اشتهرت بها إيران أيضاً فهي حَوّلت محافظة كرمان إلى محافظة «منكوبة» بعد حظر استيراد الفستق الإيراني، حيث يتم زراعة 390 ألف هكتار تنتج نحو ربع مليون طن من الفستق الفاخر المعروف عالمياً باسم «الفستق الضاحك». ووصل عشق الأميركيين لهذا الفستق أن الولايات المتحدة قررت في الثمانينات من القرن الماضي زراعته في كاليفورنيا وأريزونا ونيو مكسيكو. وأصبحت مدينة خراسان شمال شرقي إيران من المدن «المنكوبة» أيضاً لأنها أكبر مزرعة لإنتاج الزعفران في العالم. وتبلغ مساحة الأرض المزروعة به 80 ألف هكتار، لكن الهكتار الواحد لا ينتج أكثر من أربعة كيلوغرامات فقط من هذا الزرع النفيس. وقد وصل إنتاجه في العام الماضي إلى 210 أطنان، ويباع الكيلو الواحد بأسعار تبدأ بألفي دولار! وتشمل آثار العقوبات بحر قزوين شمال إيران بعد حظر استيراد وتسويق الكافيار الإيراني الفاخر الذي يبلغ سعر الكيلو الواحد منه خمسة آلاف دولار.
خلال الفترة من 2003 حتى اليوم استأثرت إيران بحصة الأسد في تصدير منتجاتها الصناعية والزراعية إلى العراق بحكم سيطرتها على المنافذ الحدودية والعقود التجارية مع العراق وبيعها الكهرباء والمنتجات النفطية إليه، إلى درجة أن مدينة الزبير في محافظة البصرة على الحدود مع الكويت أعلنت إفلاسها وأغلقت مزارع الطماطم التي تشتهر بها بسبب إغراق المحافظة وبقية المدن العراقية بالطماطم والخضراوات الإيرانية الأخرى. وقد طلبت بغداد رسمياً من واشنطن الموافقة على مقايضة الكهرباء الإيرانية إلى العراق بخضراوات وفواكه وصناعات عراقية ليس لها وجود أساساً، وهو نوع من الالتفاف على العقوبات! لكن التجارة الحدودية والتهريب لا تعرف شيئاً اسمه المقاطعة، خاصة في حدود بلدين مثل العراق وإيران تمتد 1200 كلم من الشمال إلى الجنوب. أيضاً كل الأبواب مفتوحة على مصاريعها أمام تجارة السلاح من إيران إلى «الحشد الشعبي» العراقي بميليشياته المختلفة وعشائر الجنوب الموالية لإيران، وكذلك تجارة المخدرات واسعة النطاق.
العراق هو الحائط الواطئ أمام اختراق العقوبات الأميركية ضد إيران.