د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

«جزيرة» قطر وشهود الزور

المشهد الملوث بإعلام متشابك يقدم الخبر من دون أدنى معيار للمهنية، أفقدته الموضوعية والشفافية التي تكاد تكون منعدمة في صياغة الإعلام. فالإعلام الفاسد يبدأ بالخبر الفاسد، وبقاؤه رهين وحبيس مصادر التمويل وقلب الحقائق واستبدال المجرمين بالشهود. فكثيراً ما خرج على شاشات فضائية قطر «الجزيرة» الإخبارية، سدنة الديكتاتورية، ورجال الأنظمة الانقلابية، «كشهود» على العصر، وهم في الواقع شركاء جريمة في بلاد العرب على زمن القمع والمهانة والهزيمة، في ظل ديكتاتوريات عسكرية، كبحت جماح الحرية، وكتمت صوتها ومارست إهانة آدمية الإنسان، وجعلته مهاناً ذليلاً غريباً في وطنه.
فأظهرت علينا «جزيرة» قطر بعض شركاء الطغاة، لزمن طال أو قصر وفق معيار انتهاء الخدمة بانتهاء المصلحة أو تضاربها، لا نصرة للحرية، فهم ضمن منظومة وجوقة الطغاة سنين، ولذلك كان يجب تسمية بعضهم «مجرمين من العصر». فهناك فرق بين الشاهد وبين المشارك في الجرم وشريك المجرم، وجاءت إلينا «جزيرة» قطر، بجنرالات في المخابرات والجيش ووزراء ومسؤولين نهبوا الثروات وسفكوا الدماء ومارسوا القمع والترهيب، ليظهروا علينا بلباس الشهود الأبرياء ليصبح المواطن هو المجرم الوحيد.
الإعلام الفضائي للنظام القطري من «الجزيرة» وتوابعها في أغلبه يفتقد كثيراً للحقيقة والموضوعية والشفافية والمهنية، بسبب أنه يتعاطى مع الخبر بشكل خاطئ، أو كما قال ابن النفيس: «وأما الأخبار التي بأيدينا الآن فإنما نتبع فيها غالب الظن لا العلم المحقق»؛ يجعل من الحقيقة مغيبة حتى في وجود شهود العيان.
ما نشهده اليوم من تزييف للحقائق في شهادات هؤلاء المجرمين، الذين أخرجتهم جزيرة قطر كأبطال في حين لم يشهد أحدهم الشمس ولم يرَ هالتها، ويتحول التاريخ إلى رزمة من الزيف، والتزوير للحقائق وشراء بطولات وانتصارات وهمية من نسج الخيال، في حين كان يجب أن تكون الشهادة في إطار الحقيقة وما شهده المرء «وَمَا شَهِدْنَا إِلَا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ»، تحسباً ليوم تشهد على كذبهم وزيفهم ألسنتهم «يوم تشهد عليهم ألسنتهم»، ولا نجاة يومها إلا من صدح بالحق «إلا من شهد بالحق».
في خضم هذا الدجل والنفاق الإعلامي، والمتاجرة بالحقيقة، وشهود الزور، واستبدال مقاعد الشهود بالمجرمين، فلن تجد للحقيقة مكاناً ولا للصدق أرضاً ينبتان فيه، نظراً لتغييب الحقيقة والخوف من ظهورها حتى أصبح البعض عبيداً للكذب، كنتيجة للسيطرة على الناس والتأثير في الرأي العام، وأصبحنا لا نشاهد الصورة إلا مجتزأة، تضطرنا للبحث في مصادر متعددة لاستكمال الصورة، في حين لا يصبح المرء حراً إلا بقول الحقيقة كما قال السيد المسيح: «بالحقيقة تكونون أحراراً».
إعلام «جزيرة» قطر كان دائماً له الدور الفعال في التخريب والتزوير، وتحريض الناس على التدمير، وعرفنا ذلك جيداً في حراك «الربيع» العربي، الذي قادته هذه القناة وتسبب بقلاقل وقتل ودمار في الوطن العربي. وكانت النتيجة تهديم أوطان، وتقتيل الناس وتشريد الآلاف المؤلفة من العرب، وخسائر مادية واقتصادية كارثية. وها هي الآن تواصل دورها التخريبي مستغلة مقتل خاشقجي. لكن هذه المرة لم يحالفها الحظ، وارتد كيدها عليها.