د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

الأموال الليبية بين التجميد والنهب

الأموال الليبية في بنوك العالم بين التجميد والنهب الممنهج، والبداية كانت منذ أن أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بتجميد أرصدة العقيد الراحل معمر القذافي مع أفراد أسرته، بما فيها تلك التابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار، ووفق موقع «دويتشه فيله» الألماني، «فإن حجم أموال ليبيا، التي جنتها من عائدات النفط منذ عام 1969 تقدر بثلاثة تريليونات دولار»، لا أحد يعلم كم صرف منها طيلة 42 عاماً، حقبة لم تشهد فيها ليبيا أي نهضة يمكن أن تقبل تفسيراً لصرف تلك الأموال، ما يؤكد أن أغلبها لا يزال في خزائن القذافي المجهولة عبر العالم، التي تمثل ثروات ليبيا الموزعة على أكثر من 35 دولة، وتشمل عقارات فخمة ودور نشر، ومنتجعات وفنادق، ورغم طمأنة المؤسسة الليبية للاستثمار الرأي العام الليبي، بكون الأموال الليبية المجمدة في أمان، فإن الخشية من ذوبان هذه الأموال واختفائها كانت تقلق الليبيين، خصوصاً في ظل تضارب التصريحات ووجود دلائل على عمليات نهب منظمة لتلك الأموال، رغم أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال التصرف أو الوصول إلى هذه الأموال دون الرجوع إلى مجلس الأمن، بموجب قرارات المجلس، ولكن ظهور التلاعب بفوائد تلك الأموال التي اعتبرت استثناء من قرارات مجلس الأمن، خلق حالة من التخوف من وجود ثغرات قانونية يمكن من خلالها نهب الأموال الليبية المجمدة ووجود مخططات للاستيلاء عليها.
ولعل أبرز تلك الثغرات محاولة دفع تعويضات من الأموال الليبية المجمدة في بريطانيا، «لضحايا» هجمات الجيش الجمهوري الآيرلندي، الذي كان مدعوماً من نظام القذافي، ولكن هناك من يقول إن بريطانيا دعمت معارضين ليبيين تسببوا بسقوط ضحايا وانتهاكات على الأراضي الليبية، أي أنه فعل ورد فعل، وبالتالي لا يمكن محاسبة الدولة الليبية على ضحايا الجيش الجمهوري من دون مساءلة الحكومة البريطانية، وإلا يعتبر ذلك كيلاً بمكيالين، خصوصاً أن كل المشكلات العالقة بين ليبيا وبريطانيا كانت قد سُويت منذ عودة العلاقات الدبلوماسية عام 2004.
محاولة دفع التعويضات من الأموال الليبية المجمدة في بريطانيا، جاءت عبر مطالبة العضو بحزب الديمقراطيين الاتحاديين الآيرلندي، ريج إمبي، خلال جلسة لمجلس العموم البريطاني، باستخدام نحو 9.5 مليار جنيه إسترليني، من هذه الأموال من أجل تعويض ضحايا هجمات «الجيش الجمهوري الآيرلندي».
ملف الجيش الجمهوري الآيرلندي، كان قد أغلق قضائياً كملف لوكربي، وأي محاولة من هذا القبيل لا تتفق مع القانون الدولي، لأنها تعد أموالاً تحت سيادة دولة عضو في الامم المتحدة، ومن حقها اللجوء لكل الطرق القانونية والدبلوماسية، من أجل حماية أموالها وأصولها المجمدة، بعد فضيحة الاعتداء على الأموال الليبية المجمدة في بلجيكا، إذ أكد المدير السابق للخزينة البلجيكية، مارك مونباليو أنّ «تحويل بعض الأموال الليبية المجمّدة في بنك (يوروكلير)، أو بالأحرى الفوائد البنكية لهذه الأموال، تمّ بالاعتماد على تفسير للقوانين الأوروبية»، ما دفع مجلس النواب الليبي لأن يوفد لجنة لمتابعة قضية فوائد الأموال الليبية المجمدة في بلجيكا، فنهب الأموال الليبية يبقى أزمة لا يمكن السكوت عنها، حتى ولو كان المنهوب فوائد تلك الأموال المجمدة، كما يزعم ناهبوها وليس الأموال نفسها، بتفسير قرارات مجلس الأمن على أساس أن الفوائد المترتبة على هذه الأصول استثنيت من العقوبات «ما يسهل عمليات سحبها أو تحريكها من الحسابات الموجودة بها، إلى أي حسابات أخرى تمهيداً لنهبها».
الأموال الليبية المغيبة والضائعة أو حتى المنهوبة، ليست فقط تلك المجمدة، بل هي منتشرة في أصول كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر طائرات «بوينغ» التي اشترتها ليبيا من الولايات المتحدة ودفعت ثمنها كاملاً غير منقوص، ولم تتسلمها إلى يومنا هذا، ليستمر مسلسل نزف الأموال الليبية بالداخل والخارج.