طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

من صفعة إلى صفعة

لماذا تنشرح قلوبنا عندما نراهم فتنقلب حياتنا في لحظات من الحزن إلى البهجة، لمجرد حتى ذكر أسمائهم؟
بينما تكتشف أن حياة عدد كبير منهم في أخريات أيامهم انتقلت من السعادة للشقاء. لديكم عبد الفتاح القصري، الذي ردّدنا له في كثير من الأفلام أشهر «اللزمات» في تاريخنا الفني مثل «أنا كلمتي ما تنزلش الأرض أبداً» و«يا صفايح الزبدة السايحة وبراميل القشطة النايحة» و«سيري يا نورماندي تو» وغيرها، بدأ القصري حياته على خشبة المسرح في أدوار صغيرة يردد «نعم يا مولاي»، و«لك كل الحق يا مولاتي»، والتحق بواحدة من أهم الفرق المسرحية في عشرينات القرن العشرين التي تقدم التراجيديات العالمية، والتي حملت اسم عملاق المسرح (جورج أبيض)، وبعد أن ألقى القصري بكلمته الموجزة على الخشبة، فوجئ بأن الجمهور يضحك لعدة دقائق، اعتقد أن تلك الضحكات سوف تؤدي إلى حصوله على بضعة جنيهات باعتبارها مكافأة النجاح، إلا أنه بعد نهاية العرض، فوجئ بأن جورج أبيض يستدعيه لمكتبه ثم يمنحه صفعة ترددت أصداؤها في شارع عماد الدين، وانتقلت للصحافة «جورج أبيض يصفع ممثلاً ناشئاً»، قرأ نجيب الريحاني الخبر وكانت له تجربة سابقة مع جورج أبيض، عندما صعد أمامه على خشبة المسرح، وقبل أن ينطق بأي جملة حوار وجد أن الجمهور يضحك، لم يصفعه جورج ولكنه فقط اكتفى بطرده من المسرح، ولهذا سارع الريحاني بالبحث عن هذا الفنان الناشئ، والذي صار بعدها يشارك في كل أفلام ومسرحيات الريحاني، وبعد رحيله انتقل للعمل مع إسماعيل ياسين، ثم أصيب بالعمى بسبب ارتفاع مفاجئ في السكر لسوء حالته النفسية، عندما اكتشف أن زوجته تطلب منه الطلاق لكي تتزوج من شاب كان يتبناه مثل ابنه، بعد أن كتب لها كل ثروته، فلم يستطع سوى الاستجابة مرغماً، وطلبت منه أيضاً أن يصبح شاهداً على وثيقة الزواج، وكانت هذه هي الصفعة الثانية والأخيرة وذلك قبل أن يرحل بأيام قليلة. إسماعيل ياسين أيضاً، جاء من مدينة السويس للقاهرة، وليس أمامه سوى هدف واحد، أن يصبح صورة طبق الأصل من المطرب الكبير محمد عبد الوهاب، وهكذا كان يغني بكل حرقة وإحساس مرهف «أيها الراقدون تحت التراب»، بينما الناس غارقة في الضحك، وعرف النجاح الطاغي طوال رحلته السينمائية الذي لم يطاوله فيها أحد، ثم جاءت مع الأسف صفعة النهاية، مع تراكم الديون فاضطر لإغلاق المسرح الذي يحمل اسمه بعد أن لاحقته الضرائب والدائنون.
سعيد صالح، الذي كانوا يراهنون عليه كنجم قادم أكثر من رهانهم على عادل إمام، إلى درجة أن المنتج سمير خفاجة عندما تعاقد مع فريق عمل «مدرسة المشاغبين» في مطلع السبعينات، كان يمنح سعيد ضعف أجر عادل، إلا أنه أيضاً في أخريات أيامه شاهدناه منكسراً بعد أن حُرقت شقته ثم أنهكه المرض، زينات صدقي والتي يتذكر لها الناس إفيه «كتاكيتو بني» واجهت أيضاً الفقر في أخريات أيامها، حتى إنه عندما قرر الرئيس أنور السادات، منحها وسام عيد الفن نهاية السبعينات، لم تجد ما ترتديه وأنقذت الموقف صديقاتها بشراء فستان يليق بالمناسبة. عبد السلام النابلسي الصديق خفيف الظل في كل الأفلام أمام محمد فوزي وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، اضطر للهرب إلى لبنان بسبب ملاحقة الضرائب له.
منحونا السعادة، ولكن الزمن كان قاسياً عليهم وصفعهم في المحطة الأخيرة!