تيريز رافائيل
TT

فوز ماي تصويت ضد «بريكست» من دون اتفاق

أدلى المشرعون في المملكة المتحدة بأصواتهم بخصوص مسألة ما، لكنهم حسموا بذلك قرارهم بشأن أخرى. ورغم أن اختيارهم ربما لا يجعل مسألة إنجاز «بريكست» منظماً ومدروساً، أكثر سهولة، فإنه قد يقلل احتمالات حدوث «بريكست» مضطرباً وفوضوياً.
وكان السؤال محل التصويت الذي طرح على 317 من أعضاء البرلمان من حزب المحافظين، مساء الأربعاء الماضي، واضحاً؛ فقد سألهم ما إذا كانوا يثقون بزعيمة حزبهم، رئيسة الوزراء تيريزا ماي. وجاءت النتيجة بفوزها بثقة 200 صوت، مقابل 117. وتكشف هذه النتيجة بوضوح ما يعجز كثيرون عن رؤيته.
ومع هذا، حتى لو كانت هذه النتيجة تمنح ماي قدراً من الارتياح الشخصي، فإنها تكشف كذلك أن أعضاء البرلمان استوعبوا أن السؤال الحقيقي المطروح عليهم كان مختلفاً بعض الشيء. والسؤال الحقيقي هو؛ هل هم على استعداد للمراهنة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دونما اتفاق؟
ومن الصعب النظر إلى التصويت الذي أجروه باعتباره أي شيء آخر، بخلاف كونه تصويتاً بعدم الثقة تجاه أنصار «البريكست» المتشددين، الذين كانوا يضغطون لشهور لتنحية ماي والاستعانة بدلاً منها بقائد يتزعم مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي دونما اتفاق. وتوحي نتيجة التصويت بأن المحافظين يرغبون في التمسك بموقف وسط، وهي الوجهة التي سعت ماي متأخراً لقيادتهم نحوها.
وللأسف، أهدرت ماي كثيراً من حسن النية في طريقها، وأصبحت اليوم تقود أقلية متضائلة. لقد شهدت الفترة الماضية خطوات خاطئة وتراجعاً عن قرارات وانتخابات كارثية زادت الأمور تعقيداً أمام ماي على نحو بالغ أجبرها على الاعتماد على الحزب الديمقراطي الوحدوي بآيرلندا الشمالية للاستفادة من أغلبيته.
ومع هذا، يحمل التصويت الأخير دلالات بالغة الأهمية تؤكد أن تلك الإخفاقات لم تكن كافية لإقناع غالبية أعضاء البرلمان من حزب المحافظين، بالوقوف خلف أنصار «بريكست» المتشددين الذين ظلوا طيلة شهور يهددون بعقد تصويت لسحب الثقة، حتى حصلوا في نهاية الأمر على الـ48 خطاباً اللازمة لتنفيذ ذلك. ويتمثل السبب الوحيد وراء التشبث بماي الآن، في أن القيادة البديلة تشكل بوضوح مخاطرة أكبر. والآن، أصبح من المتعذر تحدي زعامتها من داخل حزبها مرة أخرى على مدار 12 شهراً.
ويكمن السبب وراء إخفاق حجج أنصار «بريكست» ضد قيادة ماي في الإدراك المتنامي خلال الشهور الأخيرة بأنه ليست لديهم خطة تخصهم لإدارة «بريكست». في الحقيقة، جاءت استراتيجيتهم المبهمة بحجب بعض أموال الانفصال، ونفي مشكلة الحدود الآيرلندية، والسعي إلى إعادة التفاوض، والأمل في أن يثير صانعو السيارات الألمانية ضجة، غير مقنعة وعلى درجة بالغة من السخافة قوضت هدفهم الحقيقي المتمثل في الخروج من الاتحاد من دون اتفاق.
في الواقع، الخروج من دون اتفاق هو ما يحدث عندما تفشل جميع الخيارات الأخرى ـ وليس نتيجة يعمل من أجلها أي شخص بحماس. ويبدو أن غالبية أعضاء البرلمان أدركوا هذا الأمر يوم الأربعاء الماضي، إلا أن الحرب على جميع الجبهات كبّدت ماي بالفعل كثيراً من سلطتها المتضائلة بالفعل. والآن، قالت إنها لن تبقى في منصبها كي تخوض الانتخابات القادمة. الأمر الذي سيُشعر كثيرين داخل حزبها بالارتياح تجاهه.
ويترك هذا التساؤل الأهم المتعلق بما يعنيه تصويت الأربعاء الماضي بالنسبة لـ«بريكست» نفسه. وهنا، لم يتغير كثير. لقد انقسم حزب ماي، وبقي مصير «بريكست» غير محسوم. ولا تتوفر بعد أغلبية برلمانية خلف الاتفاق الذي أبرمته ماي، والذي يشير الاحتمال الأكبر إلى أنها ستجري تصويتاً حوله في يناير (كانون الثاني)، وليست هناك أغلبية لعقد تصويت ثانٍ.
ويعني ذلك أن أنصار «بريكست» المتشددين لم يخسروا تماماً، وإنما تظل الحقيقة أنه حال عدم موافقة البرلمان على مسار عمل آخر، فإن بريطانيا ستغادر الاتحاد الأوروبي في نهاية مارس (آذار)، سواء أكان هناك اتفاق أم لا.
وسوف تمضي ماي في مساعيها للحصول على تنازلات من جانب الاتحاد الأوروبي على نحو يمكنها من التعامل مع أعضاء البرلمان الأقل تشدداً، لكن هناك كثيرين داخل البرلمان يرغبون في رؤيتها تفشل، إما لأنهم يرغبون في الخروج من الاتحاد دونما اتفاق، أو لرغبتهم في عقد استفتاء ثانٍ، أو مثلما الحال مع حزب العمال المعارض، يرغبون في عقد انتخابات جديدة. وعليه، فإن كل ما أثبته انتصارها أن الاتفاق الذي خلصت إليه ربما يحظى بتأييد 200 عضو من إجمالي 650 عضواً بالبرلمان.
وقد أقرت ماي من قبل أن مفاوضات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي ربما تحتاج لتمديدها، إذا ما جرت عملية انتخاب لقيادة جديدة. الآن، أصبح من المحتمل بدرجة أكبر أن تحتاج إلى طلب تمديد الجدول الزمني تحت مظلة المادة 50 للسماح للمملكة المتحدة بمزيد من الوقت لتسوية «بريكست»، لكن هذا يتطلب موافقة بالإجماع من جانب أعضاء الاتحاد الأوروبي. الأمر الذي ربما لن يتحقق إلا في حالة عقد استفتاء أو انتخابات عامة.
وأفضل ما يمكن قوله عن تصويت الأربعاء، إنه نقّى الأجواء، وبعث برسالة إلى أحد أجنحة حزب المحافظين بأن وقته لم يحن بعد. وتشكل نتيجة التصويت صفعة للمناهضين المتشددين للاتحاد الأوروبي، لكن لا ينبغي للمرء أن يقلل من عزمهم على الاستمرار في القتال.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»