إميل أمين
كاتب مصري
TT

الموازنة السعودية... طريق الإفصاح والشفافية

أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، قبل يومين، عن الموازنة الأكبر للمملكة في تاريخها المعاصر، التي تتسق أرقامها مع الأهداف الرئيسية لتوجُّه المملكة ورؤيتها لاقتصاد 2030 بنوع خاص، تلك التي تهدف إلى تغيير شكل اقتصاد الدولة من الاقتصاد الريعي التقليدي إلى اقتصاد التنمية المستدامة وتعدُّد مصادر الدخل، والاهتمام بالقطاع الخاص كأحد أهم المحركات الداخلية الاقتصادية، التي تعمل جنباً إلى جنب مع القطاع الحكومي لتعزيز مستوى الخدمات التي يتلقاها المواطن السعودي، وتحسين نوعية تلك الخدمات المقدَّمة إليه.
عدة ملاحظات يمكن حتى لغير المتخصصين في مجال علوم الاقتصاد الخروج بها من أرقام الموازنة وبنودها، وفي المقدمة منها أنها تتسم بدرجة عالية جداً من الشفافية، الأمر الذي يوثِّق العلاقة الإنسانية بين الشعب والحكومة، ويبين مقدار الجهود الحقيقية المبذولة على الأرض لرفع كفاءة الحياة في دولة تُعدّ من أهم عشرين اقتصاداً حول العالم.
تمضي المملكة في طريق نهضة اقتصادية غير مسبوقة، تزخمها أرقام ومعطيات مالية مبشرة، فالناتج المحلي الإجمالي للمملكة يقارب السبعمائة مليار دولار، ويضعها في مصاف القوى الاقتصادية الفاعلة والمؤثرة على صعيد الاقتصاد العالمي.
ليس سرّاً أن الاقتصاد بات موجهاً للسياسات العالمية، وأن كبار القادة السياسيين حول العالم بات جل همهم في الحال والاستقبال تطوير وتحسين أوضاع دولهم وشعوبهم اقتصادياً، ولنا في الرئيس الأميركي دونالد ترمب المثال الكافي لإدارة أميركية جعلت جل همها أوضاع المواطن الأميركي اقتصادياً، حتى وإن انعكس ذلك سلباً على العلاقات السياسية الأميركية مع بقية دول حلف «الناتو» من جهة، أو مع دول المجابهة اقتصادياً، كالصين بنوع خاص من جهة أخرى.
بيان الموازنة السعودية الأخير، وكما أشار إلى ذلك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يعكس سيراً واثقاً ناجحاً بخطى ثابتة نحو تحقيق أهداف «رؤية المملكة 2030»، ويؤكد أن حكومة المملكة تتعاطى مع مواطنيها من منطلق أعلى درجات معايير الشفافية والإفصاح المعتمدة في المؤسسات المالية الدولية.
القراءة المعمقة للبيان تفيد بأن خطوات الإصلاح المالي التي جرت العامين الماضيين قد أسهمت بالفعل في نقلة نوعية لاقتصاد المملكة انعكست على الإسهام بشكل مباشر في خفض معدلات عجز الميزانية للسنوات 2016 و2017 و2018 بنسب عالية، وقد كانت المسارب الجديدة لمداخيل غير نفطية أدوات مساعدة في تجاوز القصور المالي السابق، إن جاز التعبير.
يمكن القطع أيضاً بأن انعكاسات الإصلاحات الاقتصادية التي يقودها ولي العهد تمثَّلت في تضاعف الاستثمار الأجنبي المباشر بأكثر من 110 في المائة، خلال عام 2018، ومن هنا يتبين عمق النظرة السعودية الماضية قدماً في طريق تعزيز البنية التحتية اللوجيستية والمالية للمملكة، الأمر الذي يجعل من البيئة الاقتصادية السعودية الداخلية مجالاً وأفقاً جاذباً للاستثمارات العالمية، ويمكن التدليل على صحة هذا الحديث من خلال أرقام الرخص الممنوحة للأجانب للاستثمار، التي تضاعفت إلى 705 رخص في العام الحالي، ما جعل الاستثمارات الأجنبية تقفز إلى 13 مليار دولار، وتوقعات بتراجع البطالة بدءاً من عام 2019 عن 12.9 في المائة.
أولت المملكة اهتماماً خاصّاً بالقطاع الخاص طوال العامين الماضيين، وبلغت إسهامات المواطنين السعوديين في سوق العمل نحو 42 في المائة، وهو رقم مرشح للزيادة، لا سيما أن هناك خمسة قطاعات جاهزة للخصخصة.
يجد المواطنون وشركاتهم الخاصة داخل المملكة دعماً لم يعهدوه من قبل في تاريخ البلاد، وهو ما أشار إليه الأمير محمد بن سلمان حين تحدث عن رصد نحو 200 مليار ريال لتحفيز القطاع الخاص، لتنفيذ مبادرات متعددة تهدف إلى التحفيز المباشر، موضحاً أنه قد بدأ تنفيذ تلك المبادرات بالفعل في العام الحالي.
ما يعطي طمأنة للمواطن السعودي هو أن هناك عقولاً اقتصادية يقظة لما يمكن أن يعيق مسيرة الانطلاقة الاقتصادية السعودية، ولعل هذا ما جعل العملة الاقتصادية السعودية (الريال) في وضع مطمئن جداً؛ فالبنك المركزي للبلاد لم ولن يسمح على سبيل المثال بالمضاربة على الريال، ذلك الخط الأحمر، ما أعطى فرصة لنمو القروض المتوسطة والصغيرة، التي يمكنها أن تصنع ربيعاً اقتصادياً حقيقياً لأهالي المملكة، ربيعاً بعيداً عن الربيع المغشوش الذي عرفته المنطقة قبل نحو ثماني سنوات، ولم يخلِّف وراءه إلا المرار والدمار والخراب الاقتصادي للدول التي حل بها.
ولعل التصريحات الاقتصادية التي خرجت على هامش إعلان الموازنة تعمق من موثوقية الاقتصاد السعودي داخلياً تحديداً، فلا تفكير على سبيل المثال في رفع أسعار الطاقة في السعودية باستثناء مراجعة البنزين في 2019، في وقت تبقى فيه مستويات وأسعار الدَّيْن مقبولة، مع تنبه المملكة ويقظتها الكاملين لتنويع الدّيْن المحلي والخارجي.
هل هناك شيء ما أخذه القائمون على موازنة السعودية للعام المقبل؟
لا نريد أن ننفِّر أو نكون من المتشائمين بالنسبة لحال الاقتصاد العالمي في عام 2019 وما بعده، لا سيما أن هناك اقتصاديين أميركيين كباراً، من أمثال نورييل روبيني، وآخرين أوروبيين يتخوفون إلى حد القطع من أن كساداً اقتصادياً كبيراً على الأبواب ربما يعيد سيرة أزمة العالم الاقتصادية في النصف الأول من القرن العشرين.
هذه التوقعات يدركها صُنّاع القرار في المملكة، وبنود ورؤية اقتصاد 2030 تضيف صمامات أمان لاقتصاد المملكة وتطرد الخوف خارجاً.
أحلى الكلام: الإفصاح والشفافية درب الرؤية الآمنة السعودية.