خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

تهافت العلماء

سرعان ما نكتشف أن العلماء أيضاً فيهم الكثير من التهافت وبينهم جمع غفير من التناقض. لتناقضهم هذا كثيراً مما يحملهم إلى فعل غير ما سبق وقالوه، وأحياناً إلى قول ما سبق وفعلوه. جلّ العلماء يناقضون أنفسهم في الجري وراء أي شيء جديد، ثم يتباكون على انقراض أي شيء قديم. تغص الصحف والمجلات العلمية في هذه الأيام بصراخ العلماء في تقاريرهم الواردة بشأن شتى الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض. نحن طبعاً نتجاوب معهم في حزنهم وقلقهم على انقراض حيوانات ظريفة كالأسود والنمور والفيلة. أنا شخصياً أعتقد أن من أسباب تدهور الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وابتلائنا بهؤلاء المسؤولين المستبدين وما يجرون وراءهم من الإرهابيين هو انقراض الحيوانات المفترسة كالأسود في عالمنا. ففي السابق كانت هذه الوحوش تأكل هؤلاء الوحوش الآدميين حالما يخرجون من مدنهم للتآمر والتمرد والتسلط. مشكلتنا الآن أنه لا توجد عندنا من الحيوانات الكاسرة ما يكفي فتكاثروا علينا.
ولا بد لنا من التعاضد مع العلماء أيضاً في نحيبهم على انقراض مثل هذه الأشجار الرائعة كالجوز والسنديان والأرز. الشيء الذي يتعذر عليّ فهمه هو في هلعهم من انقراض بعض الحشرات. كل يوم نسمع تباكيهم على احتمال انقراض الخنفسان الأسمر، أو صراصير المراحيض أو الذباب الأسترالي أو الزنابير الخريفية أو النمل الفارسي.
قضى علماء آخرون سنوات من حياتهم للاهتداء إلى مواد كيماوية لقتل هذه الحشرات وأمثالها. وفي اللحظة التي أوشكنا فيها على إبادتها من وجه الأرض، راحوا يتراكضون من مؤتمر حشري إلى آخر يستنفروننا، ويهيبون بنا إلى الإسراع بأموالنا لإنقاذ هذه الحشرات من الانقراض.
كان من آخرها حملة جارية لإنقاذ قمل شعر الرأس. لسنين، كانت أمهاتنا وجداتنا يقضين الساعات الطوال في تفلية شعرنا، وإلقاء القبض على القمل الموجود فيه وقتله فوراً من دون محاكمة أو استجواب. كان الحلم الذي راود البشرية لآلاف السنين هو التخلص من القمل. حتى القردة والسعادين أخذت تشاركنا في هذه الحملة. أينما أذهب في حدائق الحيوان أرى قردة تفلي شعر ابنها وتخلصه من القمل. والآن جاء هؤلاء العلماء يريدون منا التبرع لهذه الحملة لإنقاذ القمل. لن أعجب إن سمعت بعد قليل عن علماء يستحصلون على قرار من الأمم المتحدة باسم ميثاق حقوق القمل. ويدرجون أي دولة تمارس نساؤها قتل القمل كإيران وأفغانستان في قائمة الدول الإرهابية وتفرض عليها الحصار والعقوبات.
طلعوا علينا بالتقارير والمقالات الطوال عن القمل وأنواعه ومزاجه وألوانه، وما يحب أو لا يحب. منها القمل ذو الأرجل الثماني، القمل الزحاف، والقمل النطاط، والقمل المصاص. كتب آخرون عن دور القمل في تاريخ الحضارات، وكيف أنه لم تظهر امرأة في التاريخ خلا شعرها من القمل. وكيف أن الملكة إليزابيث الأولى تأخرت عن معركة الأرمادة بسبب انشغال وصيفاتها في تفلية شعرها وتصفيفه. وهناك من ذكروا أنهم وجدوا بعض القمل في التاج الذي لبسه نابليون بعد تتويجه.