مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

العواطف هي العواطف

يشتهر رجال اسكوتلندا بالعزف بالقِرَب (وهي من جلود الأغنام أو الماعز) وهم يرتدون التنانير المخططة القصيرة، ولديهم مدارس لتعليمها، ويجرون مسابقات سنوية لأدائها. وقبل مدة فاز أحد الشباب ونال الجائزة الكبرى في النفخ بتلك الآلة، إذ ظل يعزف وينفخ بها طوال 80 ساعة متواصلة، غير أن المسكين لم يتسنَّ له تسلم جائزته، إذ إنه سقط بعد ذلك من شدّة الإعياء وفارق الحياة! والله لا يبارك فيه من نفخ.
وقد وصف أحدهم تلك الآلة في القرن السابع عشر قائلاً، إنها لا تعدو في أحسن حالاتها، أن تكون موسيقى بربرية مفعمة بالقوة.
ومعروف أن الملك هنري الثامن، الذي تزوج ستاً من النساء، ذهب أكثرهن بالقتل - مثلما يشيعون - كان لا يتزوج بأي واحدة منهن، إلا وتعزف له مع عروسه في ليلة الدخلة طوال الليل، فرقة من عازفي القرب، لكي تزداد بهجته، وتزداد معها حماسته المفعمة بالقوة البربرية.
ومنذ القرن الرابع عشر، سن الملك إدوارد الثالث تقليداً لطيفاً، ما زال متبعاً حتى هذا اليوم، وهو أن يكون لكل ملك بريطاني زمَّار مخصوص قربه، يعزف له متى ما أراد في كل وقت، سواء كان فرحاً أم حزيناً أم بين بين.
وما زال ذلك التقليد الحسن متبعاً، أي أن الملكة إليزابيث ما زال لها زمارها المخصوص، ويقال إنهم كثيراً ما سمعوا ذلك الزمَّار يعزف لها، وهي جالسة في تراس قصر باكنغهام؛ خصوصاً إذا كان زوجها الأمير فيليب مسافراً وتركها وحيدة، فالعواطف هي العواطف، لا تفرق بين شحاذة وملكة.
***
كلمة «شكراً» لا تعدلها في قواميس الكلام ولا مفرداته أي كلمة، لا في سحرها، ولا في معناها، ولا في سهولتها، وهي أولاً وأخيراً تقال من دون أن يدفع من يقولها أي ثمن مادي، رغم أن بعض الناس لا يعرفونها أصلاً، وإن عرفوها وأرادوا أن يقولوها تتحول «براطمهم» - سبحان الله - إلى «سُستة» مقفلة بقفل له ثلاثة أرقام سرية.
وليس شرطاً أن كلمة «شكراً» تقال لفظاً، أو حرفاً حرفاً، لا، فقد تقال صمتاً عميقاً تنطق به عينان، أو ابتسامة مع هزة رأس بسيطة، أو مجرد كف يصافح كفاً ليمنحه الدفء والمحبة.
جميل جداً أن تقدم هدية لمن تحب أو لمن يستحقها، وأجمل من ذلك أن تتقبل أنت تلك الهدية مهما كانت، ومهما صغر شأن مقدمها، وتقول له «شكراً»، لتشعره بقيمته هو.
هل فهمتم والَّلا أزيد؟!