حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

ليس حباً فيها

كما قلنا في موضوع جريمة قتل جمال خاشقجي وقال غيرنا: «ليس حباً في جمال ولكن كرهاً في السعودية»، نقول الآن في موضوع رهف القنون كما قاله العشرات غيرنا: «ليس حباً في رهف ولكن كرهاً في السعودية». ولعل المثال الصارخ ما تناقله متابعو «السوشيال ميديا» لصورتين معبرتين؛ الأولى لوزيرة الخارجية الكندية وهي تتجاوز التقليد الدبلوماسي والبروتوكولات الرسمية باحتضانها لرهف في المطار الكندي، والثانية صورة فتاة يمنية على الحدود يقتادها بقسوة رجل أمن وهو يعلم أنها هربت من جحيم الاحتراب الداخلي في بلادها وتأمل أن تحصل لا على حضن وزيرة الخارجية الكندية وخروجها لها في المطار، بل على لجوء عادي تحتمي به من لهيب الفتن الدائرة في بلادها. إذن بعض الحالات الإنسانية وفي كثير من الحالات عبارة عن «قميص عثمان» تتستر به وتوظفه عدد من الدول الغربية وحتى العربية لتوظيفها في صراعاتها الآيديولوجية ومناكفاتها السياسية.
المجتمعات العربية والأعجمية قديماً وحديثاً وإلى يوم القيامة ليست ولن تكون مجتمعات ملائكية. التجاوزات والعنف الأسري والتضييق والضرب والتحرش الجنسي والكلامي والكبت والحرمان والتقييد القسري وتعسف الفوقية الذكورية هي من سمات ظلم البشر للبشر (والظلم من شيم النفوس *** فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم).
لقد تعالى ضجيج أدعياء حقوق الإنسان في العالم الغربي وهم يتحدثون عن زواج القاصرات في العالمين العربي والإسلامي، وكأن العالم الغربي مبرأ ومنزه من هذه الملاحظات والانتقادات، والإحصاءات في هذا الشأن كثيرة ويصعب أن نذكر ولو قليلاً منها في مساحة المقال المحدودة، لكن يكفي أن نأخذ واحدة منها ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق. هذه الإحصائية المفزعة في حقل زواج القاصرات في الولايات المتحدة؛ تقول إن أكثر من 200 ألف طفل تزوجوا في السنوات الـ15 الماضية، وإن مسناً عمره 65 عاماً تزوج فتاة عمرها 17 عاماً، وثلاث طفلات في ولاية تينيسي أعمارهن 10 سنوات تزوجن رجالاً أعمارهم 24 و25 و31 عاماً، وأصغر عريس أيضاً من الولاية الأميركية نفسها تزوج وعمره 11 سنة من امرأة عمرها 27 سنة، والسؤال المطروح هو: هل هذا قانوني؟ الجواب المفاجئ والغريب هو «نعم»!! كما يقول مصدر هذه الإحصائيات (وعندي رابطه لمن أراد الاطلاع عليه)، إن 25 ولاية أميركية لم تضع الحد الأدنى للزواج، صحيح أنها تشترط موافقة الوالدين والقاضي، ومع ذلك هناك تجاوزات حتى في الولايات التي تشترط سن 18 عاماً كحد أدنى للزواج.
فتسليط المجاهر الساطعة إعلامياً وسياسياً وإنسانياً على حالة ما في عدد من الدول العربية وبخاصة السعودية، لن يخدع الوعي العام، فـ«الهارد ديسك» البشري يختزن ويقارن ويقارب ويلاحظ ويحلل ويفرز ويتحسس للابتزاز والاستغلال مهما تدثر بلبوس الحقوق والإنسانية والحريات.