خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

من الجهاد المدني

من صور الجهاد المدني القول الشعبي الذائع في معظم البلدان العربية، ألا وهو «الصبر طيب». ولا عجب؛ فهو ينطوي على مفهوم إسلامي عميق. تردد ذكره في المصحف الشريف في أماكن كثيرة. بوحي ذلك طوّر زعيم اللاعنف الإسلامي أو ما نسميه الآن بالجهاد المدني، عبد الغفار خان. أفكار زميله في النضال، المهاتما غاندي فأعطاها بعداً إسلامياً في إطار «الصبر». على المسلم ألا يلتجئ إلى العنف والإرهاب أمام الشدائد، وإنما يتمسك بالصبر والجهاد اللاعنفي.
أما الحكاية التي تروى عن المثل فيقال إن رجلاً ذهب في تجارة إلى الصين. وفي حين كان يتجول في مدنها وأسواقها مرّ برجل يبيع الحكمة فتعجب من أمر تاجر لا يبيع غير هذه السلعة البائرة، فتشجع ودفع له عشرة دنانير واستبضع منه حكمة. أخذها معه بشكل رقعة فتحها فوجد فيها هاتين الكلمتين: «الصبر طيب».
عاد إلى أهله بعد أن مكث في الصين سنوات عدة والرقعة معه. وصل إلى بيته ونظر ليتحقق من أحواله فوجد رجلاً شاباً مع زوجته فاستل سيفه لينهال عليهما ويقتلهما. ثم تذكر الحكمة التي اشتراها بعشرة دنانير فصبر وتأمل في الأمر ثم دخل عليهما سلما فهرعت إليه زوجته وعانقته ثم قالت للشاب: تعال يا ابني وقبّل يد والدك. كان هذا ابنه الصغير وكبر وأدرك الرجولة.
ولنا في لهجتنا الدارجة أمثلة وفيرة من الأقوال التي تحث السامع على الصبر والتأني. ففي الأردن يقولون «اللي ما يصبر على نفسه ما تصبر عليه الناس». ويقولون في سوريا «الشجاعة صبر ساعة». وأيضاً «الفلك هلك ومن صبر ملك». وفي المملكة العربية السعودية تسمعهم يقولون «بلاوي زمان ولا على البلاوي غير الصبر». وأيضاً «صبري على الحبيب ولا فقده». وللمصريين حكمة بليغة بلهجة التحذير والتفكير «إن صبرتم نلتم وأمر الله نافذ، وإن ما صبرتم قبرتم وأمر الله نافذ». وأيضاً «كل شيء دواه بالصبر، لكن قلة الصبر مالهاش دوا».
ومن أكثر الأمثال شيوعاً ولطالما تراه مخطوطاً في لوحات حكمية جميلة في الدكاكين والأسواق: «الصبر مفتاح الفرج»، وهو بالضبط ما يحتاج إليه كل بائع ومشترٍ. ومن أقوال السلف الصالح حكمة بليغة «من لم ينجه الصبر، أهلكه الجزع».
وبالطبع، وكما نتوقع لا يوجد شعب من دون كلمة عن الصبر. الصينيون يقولون: «بالصبر وورقة التوت تحصل على فستان حرير». ويقول الألمان «الصبر مر، لكن فاكهته حلوة». ويقول أهل اليابان «إذا صبرت فسرعان ما يأتيك طقس أطيب من العسل».
لشكسبير أيضاً قوله في الموضوع كما جاء في مسرحية «هنري الخامس». يقول بطلها: رغم أن الصبر حصان متعب، فإنه لن يتوقف عن الجري.
بيد أن الساخرين ذهبوا مذهباً مناقضاً. كان من هؤلاء أميروس بيرس قال: الصبر كلمة تعني نوعاً من اليأس متقمصاً ثياب الفضيلة. قال ذلك في قاموسه المعروف بقاموس الشيطان. ولا عجب!