سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

أسئلة بلا إجابات

تلقيت من زميلة عربية مجموعة أسئلة، ثم اتصالاً هاتفياً رقيقاً بأن أتفضل بالرد إذا أمكن، وبدا لي أن الزميلة ناشئة، أو مبتدئة. فوعدت بالإجابة. ثم قرأت الأسئلة فوجدتها 19. ووجدتها مكتوبة في صيغة استمارة، أو إحصاء، أو أنها نسخة وزعت على من شاء ربك من صحافيي العرب. ولكن تشجيعاً للزميلة، قررت أن أفي بالوعد.
وجلست أجيب على السؤال الأول ظُهر أحد الأيام، فصرنا في العصر وأنا بعد في شرح الفكرة الأولى. وانتقلت إلى السؤال الثاني، فإذا علي أن أجد الحلول للمشاكل التي شرحتها قبلاً. وأعدت قراءة الأسئلة كلها، فوجدت أن المطلوب دراسة في حجم كتاب الفتنة لهشام جعيط.
ليس أمتع عندي من الكتابة التاريخية. لكن تبين لي أن العمل يحتاج إلى عامين، خصوصاً في أسئلة من نوع «لماذا تراجعت القضية الفلسطينية؟»، و«هل يمكن لليبيا أن تعود؟». وحزنت. ليس على تراجع القضية الفلسطينية، فقد جف الدمع، ولا على عودة ليبيا، لأن 40 عاماً من النظرية الثالثة تحتاج 40 عاماً من النقاهة الصحية. إنما حزنت لأن الزميلة الكريمة لم تترك لي مجال الوفاء بالوعد. وأنا أتذكر دوماً بالوفاء والمحبة الزملاء الذين كانوا أكبر مني في العمر والخبرة والصفح. وأنا الآن في صدد كتابة مذكرات عن سنوات الصحافة. وأجد أن لا حصر للذين لهم أفضال علي. وفي ذلك فصل عن سعيد فريحة، الذي سمعته بنفسي يقول لنجله عصام: «صححوا أغلاطه من دون إزعاج حساسيته». وكان عصام أكثر كرماً من أبيه. وعندما أتذكر أيامي الأولى في العمل، أجد أنه كان يُفترض أن أتشاجر مع عصام كل يوم. لكنه لم يعاتبني مرة على خطأ. وعندما كنت أغضب من نفسي وأخرج، كان يتصل ويطلب مني أن أعود.
كانت الصغارات في المؤسسات التي عملت فيها تأتي من صغار النفوس. لكن لم يحدث مرة أن اصطدمت مع سعيد فريحة أو غسان تويني أو رشدي المعلوف، أو مع جورج أبو عضل، صاحب «الأسبوع العربي».
كنت أتمنى أن أعامل الزميلة الكريمة، كما عوملت في بداياتي. لكنني لا أعرفها لكي أقول لها في المرة التالية اجعلي الأسئلة شخصية، لا استمارة عامة. الصحافي، مهما كان، يحب أن يفترض أن الأسئلة طُرحت عليه لأنه يستحق، لا لأنه اسم في مجموعة.
ثم الوقت يا زميلتي الكريمة، وقت الآخرين ليس لنا. ونحن لا نعرف مشاغلهم ومشاكلهم وكيف تمر الأيام بهم. والليالي أحياناً. كم كان أجمل وأفضل وأسرع أن تطرحي الأسئلة شفهياً وتدوني الأجوبة. أما أن تطلبي من صاحب المقابلة أن يدوّن هو أيضاً. يا ليت الوقت غير جائر. خذيها من كبار السن.